عندما كنا مجرد أطفال كنا نقرأ القصص ونسرح بالخيال مع قصص الأبطال، خاصة الفارس المغوار الذي ينقذ الأميرة من البرج العالي أو القصر المسحور أو خلف البحار وفي قلب الصحراء.. قصص كانت تحكيها لنا جداتنا عن الجني الذي عشق جميلة الجميلات فخطفها وحبسها في كهف مهجور، وكبرنا وسحرتنا فيروز بصوتها الدافئ لتسحبنا إلى أعماق عالم الخيال مع كلمات جبران خليل جبران وقصيدة "سكن الليل"، حيث يناجي الحبيب حبيبته ويطمئنها أنه بالرغم من سواد الليل فالنجوم تكتم الأخبار وضباب الليل يحفظ الأسرار، ولمَ الخوف إن كانت عروس الجن في كهفها المسحور "ومليك الجن إن مرَّ يروح.. والهوى يَثنيه، فهو مثلي عاشق كيف يبوح بالذي يضنيه". قصص عن الرجولة والمروءة والإخوة والصداقة والحب والتضحية، عن قيم عالية كبرنا عليها وحفرت في الذاكرة وفي الوجدان.

أما أطفال هذا الزمن ففي "نظام العالم الجديد" الذي يسعون إليه بكل الطرق المتاحة، حيث المساواة والحق والخير والجمال والحرية، من المتوقع من أبناء اليوم، ربما قلة منهم الآن على الأقل، ومن أبناء المستقبل المنفتح الذي يجب أن يتقبل الاختلاف بل يحتفل به، سوف يكون ضمن القصص التي سوف تمر عليهم كالتي قد تبدأ بكان يا ما كان، ولكن لتنتهِ بهد كل ما كان! لنأخذ على سبيل المثال:

في قصة "أعظم فارس" تبدأ الحكاية بكان يا ما كان في قديم الزمان، كان يوجد طفل شجاع عرف عنه الشجاعة والإقدام، كان يرتدي دائما درعا من اليقطين على صدره ورأسه وذراعيه، ويحرص على أن يحمل معه دائما سيفا خشبيا ليحارب به الأشرار، وعندما كبر أصبح فارسا مغوارا لا يشق له غبار، تمكن من قتل التنين وبدلا من أن يجد أميرته وجد أميره الذي كان سجينا في البرج العالي، فوقع في حبه وتزوجه!

أما في قصة "الأميرة نينا" فتقول الحكاية إن نينا كانت أميرة استثنائية، ذكية، جميلة لديها بعض الجموح، وفي يوم قرر والداها البحث عن أمير يصلح زوجا، فتمت دعوة الأمراء من جميع أنحاء العالم: أمير من الصين وثان من فرنسا وآخر من المكسيك، ولكن حتى الأمير الذي أتى على حصان أبيض لم يحرك قلب الأميرة! وهنا وصل الملك والملكة إلى حد اليأس إلى أن ظهرت يوما الأميرة "ملاو" وفجأة بدأت تظهر على الأميرة نينا علامات الخجل! وأترك لخيالكم النهاية التي كانت صاحبة القصة تريد أن تصل إليها، وما القيمة الذهبية التي أرادت أن تغرزها في كل طفل أو طفلة تقرأ القصة!

كنت أظن أن التنوع أو التحضر الذي ينادون به من خلال الأسرة النواة أو الأسرة الصغيرة هو أب وأم وطفل أو ثلاثة على الأكثر، حتى يتم التركيز على التربية، وبهذا يستطيع رب الأسرة أن يصرف على تعليم أبنائه دون أن يقصر على الأسرة ككل، أو على الأقل هذا ما قرأته يوما في بعض أدبيات الغرب عن التربية المثالية، ثم تحول الاهتمام إلى التنوع من حيث العرق والمنشأ والدين، ورأينا القصص التي تناولت قصص الحب بين اليهودي والنصرانية والأميركي والمكسيكية والبيضاء والأسود... الخ، وكل من يعترض يوسم بالعنصرية وعدم التحضر والتمدن، إلى هنا والأمر بالنسبة لنا ليس بغريب، لأن الإسلام جاء ليقضي على كل مظاهر التعصب، وجعل الحكم على مقدار الإيمان والتقوى وليس الحسب والنسب أو العرق، إلى أن بدأ التنوع والاختلاف يدخل في منحنى جديد! لم يعد التركيز على الأسرة التي تتكون من أعراق مختلفة، بل من جنس واحد!

وهنا بدأت تظهر قصص للأطفال، وحين نقول قصصا للأطفال لك يا سيدي القارئ أن تتخيل كل ما تشمله من زينة وألوان ومثيرات تشد الطفل للقراءة والاستمرار فيها، إلى أن يتم غرس القيم الجديدة بداخل وجدانه! خذ عندك مثلا قصة عيد ميلاد طفل في الثامنة وكل التحضيرات لهذه المناسبة السعيدة من كعكة الميلاد والزينة والألعاب ودعوة الأصدقاء والتسالي وقضاء الوقت في الضحك والسعادة، مع فارق بسيط أو لنقل إضافة بسيطة؛ بطل القصة طفل له "أمين" ليس أباً وأمًّا بل أم وأم! وقصة طفل آخر تتحدث عن نهار جديد مع "أبوين" بمعنى أب وأب! يبدأ مع بزوغ الشمس، حيث نتابع هذا الطفل وهو يقضي يوما سعيدا يتنقل من مكان إلى مكان يتعلم أشياء جديدة مع أبويه! وطفلة مع أبوين تتعلم السباحة لأول مرة، وأخرى مع جدتين... الخ، هل انتهينا؟ كلا، بل ما زال هنالك المزيد، فكيف يتركون التربية دون تدخل، حيث نلاحظ الاهتمام بالطفلة التي تتصرف كالفتية والطفل الذي يتصرف كالفتيات، يظهرون كأبطال قصص تدور حول حقهم في أن يكونوا مختلفين مثل قصة "الأمير بيتر" الذي يريد أن يكون أميرة والناس تتحداه، ولكنه يعرف من يكون! أو قصة "نينا وجوردن" الطفلة التي تلبس كالأولاد ولا تتصرف كالبنات تنقذ طفلا كان ضحية تنمر في ساحة المدرسة، حيث كان يضايقه الأطفال لأنه مختلف ويتصرف كالبنات لأنه يريد أن يكون بنتا! وغيرهم من القصص التي تدور على نفس المحور لكن بأبطال جدد وحبكات جديدة!

والآن لماذا أتحدث عن هذا الموضوع وهو عندهم وليس عندنا، لأنه وصل إلينا من خلال بعض قوائم قصص الأطفال التي توزع على أولياء الأمور أو الأطفال في بعض المدارس العالمية عندنا، أو بعض قوائم القصص التي تنشر على النت، ولأن بعض أولياء الأمور عندنا لا يتابعون فحوى القصص لأن الأمر بالنسبة إليهم مجرد قصص أطفال، وماذا يمكن أن تحتوي غير قصص مسلية تعلمهم القراءة والكتابة وتنمي المفردات لديهم؟! وأيضا لأن هنالك بعض أولياء الأمور من مبتعثين أو من يعيشون في الخارج لسبب أو لآخر يسجلون أبناءهم في مدارس تعتبر أن هذا الأمر عادي، بل منهم (المدارس) من يعتبره مهمًّا في تهيئة النشء لتقبل الاختلاف! نعم هنالك أمهات في الغرب وحتى مناطق ما زالت ترفض هذا الأمر، بل إن بعضهن طالبن بسحب هذه الكتب من المكتبات المدرسية، ولكن الأمر لا يخلو من أن تتوفر هذه الكتب في المكتبات العامة وأقسام الأطفال في محلات بيع الكتب! يجب أن ننتبه لأن هذه القصص تتحول إلى ألعاب إلكترونية على النت وإلى أفلام كرتون! ليس من حقنا أن نتدخل في تربية أبنائهم ولكن من حقنا في الوقت نفسه أن نحمي أطفالنا وننشئهم على التربية الإسلامية الصحيحة تبدأ بأم أنثى وأب ذكر، وإن حدث ووقع تحت أيديهم أي من هذه القصص يجب علينا فتح الحوار دون عصبية أو تشنج وتوضيح الأمر لهم بأن هذا الأمر موجود في العالم من حولنا، لكنه ليس مقبولا في ديننا أو ثقافتنا أو مجتمعنا، وإن لم يحدث فلنؤجل هذا الحديث حتى نزرع فيهم قيمنا ومن ثم نشرح لهم حتى لا يفاجؤوا به حين التواصل مع العالم، لا نريدهم أن يعادوا أو يعتدوا على أطفال تلك النوعية من الأسر إن حصل وقابلوهم في مجتمعات الغرب، ولكن في الوقت نفسه لا نريدهم أن يعتقدوا بأن هذا الأمر عادي قابل لأن يُدرج ضمن الخيارات.