لا بأس عليك وأنت تراوح مكانك المألوف بين أزمة احتياجاتك الصادرة من وجع ذاتك، وحرقة العقوبات الواردة إلى بقايا نفسك!.. (بريد رسائلك المرسلة) لا يفصح في كل مرة إلا عن طلبات واحتياجات وشكاوى.. هل نسيت أن تستمتع بحياتك؟! أو أنك مع تلك الزحمة لم تعد تعرف كتابة مفردات الجمال والفرح؟ هل قدر لك أن تظل تكتب عن أخت معلمة -أو ابنة- لا تزال منذ عقد من الزمن تروح وتخاف أنها لن تجيء، وهي تقطع كل يوم مئات (الكيلومترات) ذهابا وإيابا إلى مدرستها الكائنة في الصحاري البعيدة.. أو عن مريض لك لم تجد له منذ نصف عام سريرا يلملم جراحه المتشظية؟.. وهكذا يمتد بريد (رسائلك المرسلة) أرقا لا حدود له.

أما (رسائلك الواردة) فقد أصبحت رهينة لدعايات تجارية رخيصة -لا تملك إلا أن تذعن لهجماتها المتكررة- أو لعقوبات (ساهر) الجديدة! كأنك (..ناقص غلب!).. دعونا اللحظة من (الرسائل المرسلة) التي تستحضر قول شاعرنا البهي: "حين أججت نار الحقيقة حولي/ وهمهمت بالقول/ لا فائدة.." لا فائدة! حتى نصل سويا عبر (صندوق الوارد) لمفردة العقاب تلك.. هل أصبحنا مجتمعا مولعا بالعقاب؟ مؤلم (جدا) أن يتحول ذلك العقاب إلى وسيلة وغاية في اللحظة ذاتها! مؤلم جدا أن تعاقب وأنت لا تعرف خطيئتك؟ أو أنت لا تملك حق الدفاع عن نفسك.. خارج المحكمة تظل دائما، لا أحد يعبأ بحضورك أو يهتم بأن يسمعك:

مشهد أول (سمة): (شركة سمة) التي تعاطفت بحنانها تتربص (سمة) بك أيها المواطن الثري المحتال، عندما تتأخر لأيام قليلة عن الوفاء لأثرياء آخرين، من أجل صياغة اسمك باللون الأسود المديد.

(سمة) التي تجهلها تماما.. تجهل مكانها ومنهج عملها ومشروعية وجودها.. تجهل علاقة عجيبة بينها وبين مؤسسة النقد السعودي التي تعمل (غريمتك) تحت مظلتها الحانية على كل المواطنين -بمن فيهم الذين خسروا عمرهم كله في أسهم البنوك بالطبع- حتى إنك تجهل سر غيابها عن معجم (البنكيين) ومشرفي خدمات العملاء في الشركات الكبرى، المعجم المكلل بالوقار والتحايا والإغراءات، وهم يستقبلونك ذات مغامرة لقضاء حاجاتك الملحة -ربما لأنهم لم يريدوا إزعاجك بتداعيات مستقبلك المجهول- حتى إن (شرهتك) على المؤسسة الحكومية الرسمية (مؤسسة النقد) لم يعد لها مبرر على الإطلاق! وهي التي لم تزودك بالتفاصيل التي تضمن لك تجنب عقاب (سمة)، فالحكم سيصدر عليك شئت أم أبيت.. تناسيت أو نسيت.. عرفت جلاديك أو لم تعرفهم.. المهم أنك تتلقى السياط التي ستعطل كل مشاريعك إلى أجل لا تعرفه.. حتى زمن عقابك أنت تجهله. أما نسبة ضحايا هذا الكيان السديمي فهي نسبة مهولة بحسب الواقع المعاش، وليس بحسب إحصاءات تلك الشركة العقابية، فكيف لجهة مجهولة أن تصدر إحصاءات معروفة؟!

مشهد ثان (شركات السيارات المؤجرة بالتمليك في النهاية)، وهي تحتفظ بالمفتاح الثاني لسيارتك (وسيارتهم معا)، فإذا ما تعكر مزاج كبار الشركاء أصدروا توجيهاتهم بالعقاب مباشرة من ذلك المستأجر الذي نسي هذا الشهر (قسط) الشركة، بسبب تراكم (الأقساط) و(الفواتير) و(الغرامات) و(التزامات البيت المستأجر أيضا)، لتستيقظ صباحا متجها إلى مصالحك فلا تجد سيارتك التي انتشلها شخص لا تعرف من هو؟ ولا تعرف ما إذا كان سيعيث في سيارتك نهبا وعبثا وتخريبا؟ ولا هو يعرف إن ربما يكون في سيارتك الغلبانة أوراق رسمية مصيرية لعمل لا يتأخر، أو وصفة دواء لعلاج

يجب المسارعة في صرفه صباحا لأمك أو أبيك، أو تذاكر طيران لك ولعائلتك كنت قد تركتها لرحلة عمر تنتظركم صباحا على مشارف الهروب من زمن العقاب! أما استبداد ثورة غضبك العارم بك فهي تلك اللحظة التي تعرف أن موضوع النهب كله لم يمر على دوائر المؤسسات الحكومية المسؤولة عن أمن المواطن، بل إن رجالاتهم العقلاء عندما يحضرون بعد بلاغك بسرقة سيارتك يشيرون لك بضرورة كتابة شكوى لذلك النهب، لأن كشوفاتهم لا تتضمن أي بلاغ أو (تعميم) بالأمر، ثم إنك بعد أن ترضخ لذلك الواقع -حتى لا تتعطل مصالحك ومصالح أطفالك- تفاجأ بأن الشركة (المعدمة!) تطلب ألفا وخمسمئة ريال (وهو مبلغ يتجاوز مبلغ القسط) ثمنا لأتعاب النهب والإجراء التأجيري الجديد...!

مشهد ثالث (المركز الوطني للقياس): هنا فجائي آخر يتربص بك وأنت تستعد لاستقبال دراستك الجامعية أو عمل المستقبل.

المتربص هو ذاته في كل مرة.. تجهله تماما، تجهل مكانه وشخصياته، وآلية عمله.. يظهر فجأة، فأنت لم تصادف أيا من تجلياته في كل مراحلك الدراسية.. ولكنك حتما تعرف مسماه (المركز الوطني للقياس والتقويم).. مصدر عقابي آخر ينتظرك على أبواب النجاح هذه المرة! لتتمتم بينك وبين ذاتك المنهكة بأن من الممكن أن يكون ذلك (المركز) مؤديا لغاية معرفية إنتاجية لهذا الوطن، لو أن مفردات عمله قد تغلغلت بعمق في نسيج الخطاب المدرسي بمعلوماته وأهدافه وقياساته ومقرراته، أو الخطاب الثقافي الذي يكتسبه الأفراد من المدرسة والبيت والشارع.. كان من الممكن أن يكتسب ذلك (المركز) مصداقية لعمله، لو أنه بدأ كمركز بحثي يستفيد من أدواته وقياساته أصحاب الشأن والقرار في المؤسسات الحكومية الكبرى (وزارة التربية أنموذجا) من خلال ما يقدمه من إحصاءات وأرقام تحدد نسب النجاح ومكامن الخلل، ثم وليكن ما يشاء! ثم إذا كان هذا المركز يتوجه بأدواته إلى البيئة التعليمية، فلماذا لا يشمل عمله كل عناصر تلك البيئة وليس المعلم والطالب فحسب، فما دام كان مؤتمنا على قياس مخرجات (وزارة) بكاملها فليكن قياسه أمينا.. شاملا لكل عناصر تلك المنظومة المتسقة (..الطالب والمعلم، ومراكز الإشراف التربوي ثم إدارات التعليم، والوزارة بكاملها على السواء)، فربما يتغير الرأي الأخير لمديره بإرجاع أسباب ضعف العملية التعليمية إلى (الطالب والمعلم)! ليعرف الرجل الموقر بأن الطالب ومعلمه ما هما إلا ضحيتان (ممكنتان) له، ولمشاريع مؤسساتية كبرى مضطربة ومهترئة ومتداخلة، وخطط تعليمية عشوائية تجعل من الضحيتين الممكنتين حقلي تجارب للقابعين على المكاتب الباردة!. وللمشاهد بقية من (المباغتة) القريبة!.