الطريقة التي يتشارك بها المجتمع بأكمله على الوقوف في طابور واحد منتظم، حينما يشعر الفرد أن حياته مهددة بالفقد، حينما يشعر بأن الميزانية المالية والاجتماعية قد اختلفت عما سبق، حينما يظن أن الحياة لا بد أن تهبه كل ما يبتغيه، من دون أن يقدم أي تنازلات تذكر، من دون أن يكون له دور بطولي سوى أنه يندد ويستنكر ويشكو ويعبث في حساباته عبر مختلف التواصل الاجتماعي.

الطابور يصطف في انتظام محكم حينما يمد أحدهم يده مشيرا إلى خطأ ما، أو رافضا لموقف لربما يهدده هو شخصيا، من دون أن يستوعب أن المحن التي تمر بها الأوطان هي من تصنع تاريخه، والوطن لا يستطيع أن يواصل طريقه في الحفاظ على مسيرته من دون أن تتكاتف أيدي أفراد الشعب.

المواطن في المجتمع يريد أن يحصل على كل شيء وأي شيء، يريد أن يستيقظ من النوم فيجد نفسه غير مضطر لتحمل سداد فاتورة الكهرباء التي استخدمها، بحسب تفكيره بأن الدولة غنية، وهي ليست بحاجة إلى نقوده، لكنه ينسى تماما أنه هو شخصيا في حاجة إلى الكهرباء، ولا يمكنه الاستغناء عنها، ويريد أن يحصل على فرصة لامتلاك بيت من دون أيضا أن يقف في الطابور مع زملائه المصطفين في الطابور، قبل أن يأتي ليلحق على دوره.

المعلم لا يريد أن يترك مدينته ويذهب إلى إحدى قرى المملكة أو نجوعها، يريد أن يقوم بالتدريس في مدرسة تكون تحديدا في الشارع نفسه الذي يقيم فيه.

لا يريد أن يقدم كثير من المواطنين من الجنسين أي خطوة مسبقة، طالما أنها من الممكن أن تخلخل من رتم حياتهم اليومي، وأتذكر الطبيب الذي حصل على شهادة مقبول في طب الأسنان وحرق شهادته، كان المشهد بشكل عام يوحي إليك بأن الطبيب يستنكر عدم حصوله على فرصة للعمل، فحرق شهادته، ووثق المشهد بتصويره عبر جهاز الفيديو، عقب ذلك علمنا أن الطبيب الخريج حديثا حصل على وظيفة، لكنها في إحدى القرى البعيدة، وقد رفضها ويحق له بالطبع الرفض، لكن لا يحق له أن يهين تاريخه الدراسي، لأنه يريد أن يعمل في مستوصف في الشارع الآخر من طرف بيته.

هنا تكمن القضية الكبرى، التي لم يستوعبها كثير من المواطنين، وأنا أتفق مع خيبتهم وإحباطهم في ظل عدم توافر فرص كثيرة للعمل في بيئة جيدة جدا، ولكن في المقابل المواطن لا يريد أن يفعل أي شيء في سبيل أن يبدأ من منتصف الطريق، ولاحظوا أنني قلت منتصف، ولم أقل بداية الطريق، لأن العبارة -وأعلم تمام العلم- بأنها تسبب أرقا وحسرة في قلوب كثيرين، لذا اخترت المنتصف، لعلي بذلك أنجح في فتح نافذة من الأمل والإيجابية للقراء.

جميعنا دون استثناء نريد أن يكون وطننا في المقدمة، لكن ليس على حساب مدخراتنا المالية، ولا على حساب راحتنا الشخصية، فيجب أن تكون الشوارع نظيفة جدا، لكن لا تطلب منه أن يحمل قارورة بلاستيك من الأرض ليضعها في سلة المهملات، والسبب لأنه مؤمن بأن هناك عمال نظافة، وهو ليس ملزما بذلك العمل، وقس ذلك على معظم المشاهد الحياتية التي تراها وتعيش تفاصيلها يوما إثر يوم.

حينما تدخل دولة في حرب، مثلما فعلت السعودية في عاصفة الحزم والأمل، لم تكن الحرب قائمة على تهجير أهالي اليمن وتجويعهم، أو رغبة في الحصول على شبر من اليمن الشقيق، إنما قوات التحالف لديها أجندة لحماية الوطن الذي يتكون من ملايين المواطنين والوافدين، إذًا الحرب ليست من أجل كسب سلطان أو اكتساح شعب، وإنما من أجل إحقاق الحق للمملكة، ودرء الفتن التي يحاول شبيحة الحوثيين بثها في دول مجلس التعاون وليس فقط في المملكة، وكان لا بد من وجود حل حازم لا يمكن التهاون به.

الجمهور ما يزال حتى الآن غير واع تماما لهذه المسألة، مسألة أمن الوطن وأمنه هو وأسرته شخصياً، إنما حديثه ينصب في نقطة واحدة، وهي لماذا ألغيت البدلات المالية؟

هطلت أمطار غزيرة على معظم مناطق المملكة في الأيام الماضية، جميعنا كنا نريد مطرا، لكن بعضنا يريد المطر أيضا بحسب مقاييسه الشخصية والذاتية، بحسب برنامج يومه الأسبوعي، بحسب طاقة استيعاب سقف بيته لشدة المطر أو هدوئه المثالي، الشارع الذي تسير عليه سيارته يريده أثناء تجواله أن يتحول إلى إسفنجة، تمتص كل نقطة تأتي من السماء، فتنشف الطرق بسرعة الصاروخ، حتى يستطيع أن ينتهي من قضاء مشاويره الخاصة.

المواطن لا يريد أن يكون هناك خطأ واحد في وطنه، والخطأ وارد حتى منه شخصيا، لكن عيناه فقط على رصد الأحداث والأخطاء التي تمر بها الحكومة والمسؤولون الذين يعملون تحت قبتها. لا يمكن لي أن أقول: إن المواطن لا يفكر بشكل سليم حينما ينتقد إدارة وزير، أو حينما يطلق تساؤلاته أمام الملأ في بعض النواقص التي لم تكتمل، لكنه في مقابل ذلك لا يريد هو شخصيا أن يقوم بأي عمل، أو الإسهام في إجلاء الضرر، لأنه من وجهة نظره ليس مسؤولا للعمل مكان البلدية، أو في سلامة أمن المنشآت على سبيل المثال.

المواطن يحتاج إلى "منيو" ليرضى عن الوطن وعن وقت نزول المطر، لكنه يتناسى أن عقله يحتاج أيضا إلى "منيو" لفهم أن اليد الواحدة لا تصفق أبدا، وإذا كان هناك تقصير في عمل ما، عليك أن تكون نموذجا للمواطن الصالح، ويمكنك أن تعمل لحماية نفسك وأسرتك بأكثر من طريقة دون أن تعتاد فقط على "الحلطمة"، أو الاصطفاف في طابور الناقدين والناقمين والمترصدين فقط!.