على كل من يتآمر لعرقلة مسيرة قطاعنا الخاص أن يعلم بأن خسارة كل 1000 ريال من استثماراتنا المحلية تسهم في إلغاء فرصة عمل لأحد مواطنينا براتب أساسي يعادل 5000 ريال، وعلى كل من يتجرأ على قطع الطريق أمام شركات أعمالنا أن يقتنع بأن ضياع كل 2000 ريال من أرباحنا يؤدي إلى ضياع عوائد على اقتصادنا الوطني تقدر بحوالي 6000 ريال، بل على كل من يستخدم صلاحياته التعسفية وأحكامه الكيدية ضد مرافقنا الإنتاجية الوطنية أن يقوم بإحصاء حجم خسائر اقتصادنا الفادحة، الناتجة عن إغلاق أبواب شركاتنا وتوقف مكائن مصانعنا ونزوح مستثمرينا إلى الدول الأجنبية.

بعد أن وصمها العالم في منتصف القرن العشرين برجل أوروبا المريض، انتفضت بريطانيا من كبوتها في أوائل السبعينات لتصبح اليوم رابع أقوى دولة في العالم، وخامس أكبر اقتصاد في القرية الكونية، وذلك نتيجة عزم حكومتها وعزيمة مسؤوليها للارتقاء بمركز بريطانيا إلى ثاني أفضل موقع جاذب لاستثمارات القطاع الخاص بين دول المعمورة. ولتحقيق أهدافها بادرت بريطانيا إلى تحسين أداء أجهزتها الحكومية وتخصيص معظمها، وحرمت عليها منافسة قطاعها الخاص، فارتقت اليوم إلى المرتبة الـ6 على مؤشر سهولة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، وفازت بالمركز الـ5 في تقرير حماية المستثمرين الصادر عن مؤسسة "أنكتاد".

ويحكى أن "مارجريت تاتشر"، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، تألمت غيرةً على قطاعها الخاص عندما نما لعلمها في منتصف عام 1989 بأن شركات تصنيع السيارات اليابانية تنوي الاستثمار في فرنسا وإيطاليا لتأسيس مصانعها الجديدة، فسارعت السيدة الحديدية مع نصف طاقمها الوزاري بالسفر إلى اليابان واجتمعت مع مصنعي السيارات هنالك لتسويق مزايا الاستثمار في بلادها، وحثهم على نقل استثماراتهم من فرنسا وإيطاليا، لتنجح لاحقا بإقناعهم بتأسيس مصانعهم في بريطانيا.

واليوم تفتخر بريطانيا بأن قطاعها الخاص أسهم في توطين أكثر من 250 ألف وظيفة في هذه المصانع لإنتاج 1.5 مليون سيارة سنويا، بمعدل سيارة واحدة كل 20 ثانية، نصفها فقط من مصنع شركة "نيسان" التي تفوق إنتاجها في العام الماضي بنسبة 130% على كامل إنتاج إيطاليا السنوي من السيارات.

قبل أيام صدر عن البنك الدولي تقرير أنشطة الأعمال لعام 2017، تحت عنوان "تكافؤ الفرص للجميع"، ليقدم مؤشرات عام 2016 الخاصة بسهولة ممارسة الأعمال التي تأثرت بنتائج 11 مرحلة من مراحل مسيرة القطاع الخاص في 190 دولة. وتشمل هذه المؤشرات المدد الزمنية اللازمة لبدء النشاط التجاري، واستخراج تراخيص البناء، والحصول على الكهرباء، وتسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، بالإضافة إلى مؤشرات قدرة الدولة على حماية المستثمرين، وجباية الضرائب، وتسهيل التجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار.

وجاء هذا التقرير ليؤكد على أن هذه المؤشرات تمنح المستثمر في القطاع الخاص الثقة بإمكانية تحقيق الدولة لأهدافه التي تصب في تنمية اقتصادها، لتصبح استثمارات قطاعها الخاص المصدر الرئيس لموارد الدولة المالية، والوسيلة المميزة لنقل المعرفة وتوطين التقنية، وزيادة القدرة التصديرية، وتوليد الوظائف الجديدة وتدريب العمالة الوطنية، بالإضافة إلى قدراته على تحسين ميزان المدفوعات وزيادة معدل الأجور ورفع الكفاءة الإنتاجية للشركات.

هذه المؤشرات التي حددها البنك الدولي جاءت جميعها لتتماشى مع رؤية المملكة 2030 وأهداف برنامج التحول الوطني 2020، خاصة تلك الأهداف التي تسعى لرفع نسبة مساهمة القطاع الخاص من 40% إلى 65% خلال 5 سنوات، من خلال تيسير أعماله وتذليل عقباته ومنحه الثقة لضخ استثماراته المباشرة ورفع نسبتها لإجمالي الناتج المحلي من 3.8% إلى المعدل العالمي 5.7%. لذا طالبت الرؤية والبرنامج بضرورة رفع نسبة التجارة في سوق التجزئة بالمملكة إلى 80% من خلال جذب تجار التجزئة الإقليميين والدوليين، وتخفيف القيود المتعلقة بالملكية والاستثمار، وتسهيل حركة البضائع محليا وإقليميا.

ولكون قطاعنا الخاص بكافة أطيافه يعتبر العمود الفقري لاقتصاد المملكة، لأنه يوفر أكثر من 77% من فرص العمل، وتزيد ثرواته واستثماراته على نحو تريليوني ريال، لتغطي 72% من القطاع الاستهلاكي، و48% من قطاع البناء والعقارات، و32% من القطاع الصناعي، و12% من قطاعات الطاقة والبتروكيماويات، فإن سرعة تأقلمه مع مبادئ اقتصاد السوق وأحكام التجارة الحرة ستؤدي حتما لتعظيم قدراته على المنافسة، وتحقيق رؤيتنا الهادفة إلى صعود المملكة من المركز الـ25 إلى أحد المراكز العشرة الأولى في مؤشر التنافسية العالمي.

لذا فإن تنفيذ الأهداف الواردة في رؤيتنا الطموحة سيؤدي حتما إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستهدف، خاصة أن استثمارات قطاعنا الخاص تشكل عنصرا مهما من عناصر الدخل القومي لمساهمتها في تكوين رأس المال الثابت، ومشاركتها في توسيع القاعدة التنموية، وزيادة الصادرات غير النفطية.

ولكن هذه الأهداف لن تتحقق إلا إذا عكفنا بجدية وإخلاص على تنفيذ برنامج التحول الوطني الذي ينادي، استجابة للمتغيرات الاقتصادية المحلية والدولية، بضرورة تحسين بيئة الأعمال، وتعظيم دور قطاعنا الخاص من خلال تعزيز شراكته مع القطاع الحكومي، وتشجيع استثماراته الوطنية والأجنبية، ودعم مشروعاته الصغيرة والمتوسطة.

وإذا كانت قيادتنا الحكيمة قد بادرت فعلا في السعي لتحقيق أمنياتنا، فمن واجبنا إماطة اللثام عن وجه كل من يجرؤ على عرقلة مسيرة قطاعنا الخاص، ومحاكمته على خيانته رؤيتنا الطموحة، ومعاقبته على معارضته برنامج التحول الوطني، وإعفائه من كافة مناصبه، لفشله في تنفيذ واجباته تجاه قطاعنا الخاص في وطننا المعطاء.