تحول معرض الرياض الدولي للكتاب إلى تظاهرة ثقافية في بلادنا يترقبها المثقفون، ومحبو الكتاب وعشاق القراءة، بل أصبح يستقطب الصغار والكبار بوصفه فعالية ثقافية وطنية تجتذبهم إلى زيارة أجنحته، والتفاعل مع ما يقدم من برامج متنوعة، أنا لن أسهب في الحديث عن أهمية «الكتاب» ودور «القراءة» في تثقيف الإنسان، وصقل خبراته، وتزويده بالمعرفة، فمن منّا لا يعرف بيت المتنبي «أعز مكان في الدنى سرج سابح.. وخير جليس في الزمان كتاب»، هذا البيت الذي أول ما رمقته عيناي، كان على واحد من جدران «مكتبة» مدرستي الابتدائية، رأيته مكتوبا بخط الرقعة الجميل، غير أني سأنتهز هذه التظاهرة الثقافية الكبرى التي حملت شعارا جميلا يتماهى مع رؤية بلادنا 2030 «الكتاب رؤية وتحول»، لأتساءل، «هل الكتاب لا يزال خير جليس في زمننا» عند الجيل الحاضر، الذي نريد أن نصنع منه جيلا قارئا؟ أم أن حضوره عندهم خافت، والاحتفاء به من النخبة المثقفة فقط، لست أدري، لكن قد تكون علاقتهم بالكتب والقراءة ليست على ما يرام، بسبب تواطؤ «وسائل الإعلام الجديد» عليهم، واستحواذها على عقولهم وأوقاتهم، وإبعادهم عنها، بعكس الأجيال الماضية التي لم يكن في حياتها سوى «الكتاب» كمصدر ثري لمعلومات الحياة، ووسيلة استثمار جميل للوقت والاستمتاع بالمطالعة، ونافذة واسعة لهم للإطلالة على العالم القريب والبعيد، وربما بسبب تراجع دور «المكتبة المدرسية»، التي كتبت كثيرا عن دورها الذي اضمحل كثيرا بسبب «خنقها» بزاوية في مركز المصادر بمدارسنا، الذي يستغل من قبل المعلمين على أنه فصل دراسي مزود بالوسائل التعليمية التي تفتقدها فصولهم، مما جعلها «شبه ميتة» بداخل المصادر، لا يستفاد منها، وكان مقترحي إخراجها إلى موقع يتوسط المبنى المدرسي، ويعاد تفعيل دورها الذي عهدناه طلابا، المصحوب بحمى «الاستعارة والزيارات»، وقد يكون بسبب أن الجيل يصعب عليه شراء الكتب بسبب «المبالغة في أسعارها»، أو بسبب «قلة المبادرات الثقافية» التي تهدف إلى تنشيط القراءة عند الجيل الصغير، كما كنا نشهد «المكتبة المتنقلة» التي كانت تسيرها «أرامكو» إلى كل المناطق، وقد يكون بسبب ندرة مهرجانات القراءة، أو لعدم وجود مشاركات لدور النشر والمكتبات الكبرى، وإسهامات لإحياء مبادرات من شأنها تشجيع الصغار على القراءة، كإنشاء مكتبات في المواقع العامة تقديم هدايا أو عروضا على الكتب والقصص تجذب طلبة المدارس إليها، وقد يكون سبب عزوفهم عن القراءة إمطار رفوف الكتب بإصدارات بعضها لا تشبع رغباتهم القرائية لضعف المحتوى رغم العناوين البراقة لكن بمضامين باهتة، عموما أنا لن أردد ما يردده المتشائمون «بأننا أمة اقرأ لا نقرأ» كي لا نفقد الأمل، فهناك شريحة من المجتمع تهتم بالكتاب، وتُعنى بالقراءة، بدليل نسب الشراء العالية لمعارض الكتاب السابقة، لكن غالبيتهم من شريحة المثقفين، إلا أن ما يهمني هنا، هو الجيل الحاضر الذي لا يمكن لي وصف حالهم مع القراءة والكتاب اليوم، أنه في حالة نشطة ومرضية، أمام هذه الأسباب التي تضعف من «اتخّاذ الكتاب خير جليس لهم» وجعله يستلقي على صدورهم قبل النوم، كما كان جيل الأمس، بدلا عن الأجهزة اللوحية الذكية، التي ملكت عقول صغارنا اليوم؛ ما لم يتم استرداد دور مكتبة المدرسة، التي كنا نستقي مواد الإذاعة المدرسية من مخزونها الثّري من الكتب والقصص، والعمل على إيجاد برامج قرائية تشجعهم على القراءة والمطالعة، كما في مدارس الدول الغربية لصناعة جيل قارئ، وأن تقوم الأسرة بدور نحو تنشئة ثقافية لأبنائها، من خلال الحرص على تغذية عقولهم بإنشاء مكتبة منزلية، كاهتمامها بغذاء بطونهم، حتى ارتفعت نسبة سمنة أطفالنا إلى 50 %، وإدخال الكتب والقصص ضمن إهداءاتها لهم، وشراء القصص التي أدركناها صغارا كمجلتي «ماجد وسعد»، وروايات «المغامرون الخمسة» وغيرها، التي صقلت مهاراتنا القرائية، وانضجت مداركنا المعرفية منذ بواكير أعمارنا، إن فعلنا فسنصنع جيلا قارئا.


محمد فايع