عبدالرحمن مهابادي
نرى في الآونة الأخيرة تحركا سياسيا لافتا في الشرق الأوسط، سواء من النظام الإيراني أو من الدول الأخرى. القاسم المشترك لنشاطات الدول هو عزل النظام الإيراني، والاصطفاف أمامه للحيلولة دون تدخلاته الإرهابية والمثيرة للفتن في دول المنطقة وسط أجواء التأييد الأميركي لها. اللجنة الرباعية «لمواجهة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة»، حيث نشطت مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة، عقدت اجتماعها في أبوظبي يوم الخميس 4 مارس بحضور وزراء خارجية كل من البحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة والعربية السعودية، بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، وأكدت في بيانها الختامي أن النظام الإيراني قد خرق القرار الأممي 2216 بشأن اليمن عبر توريده الأسلحة والمعدات للانقلابيين.
ولكن في المقابل، فإن نشاطات الجناحين (خامنئي وروحاني)، وخلافا لظاهرهما الاقتحامي، ما هي إلا عمل تدافعي في المرحلة الجديدة التي بدأت منذ مدة.
في يوم الثلاثاء 7 فبراير ظهر خامنئي الذي كان منذ انتخاب الرئيس الأميركي الجديد قد لزم الصمت، ليرد في كلمة له على تصريحات دونالد ترمب. ولكنه توخى الحذر بالكامل دون أن يرتكب خطأ، وتذرعه بتغريدة لترمب لم يكن له وجه رسمي. وكان ترمب قد قال في تغريدة له «على طهران أن تكون ممتنة للاتفاق المريع الذي أبرمته واشنطن معها. وإيران تلعب بالنار، هم لا يقدّرون كم كان الرئيس أوباما لطيفا معهم، وليس أنا». لاحقا قال خامنئي الذي لم يكسب حتى الآن من الاتفاق النووي سوى تفاقم الصراع الداخلي، وتصاعد أجواء الاحتجاجات الشعبية ضد النظام، يوم 11 فبراير عند استقباله رئيس الوزراء السويدي «من المتوقع العمل كي لا تبقى التوافقات بين إيران والدول الأوروبية مجرد حبر على ورق». وهذا الكلام الذي يعني الاستجداء، بينما أنه كان قد صرح في أوقات سابقة لأكثر من مرة «إني لم أتدخل في تفاصيل المفاوضات النووية، ولن أتدخل».
وفي تحرك آخر توجه حسن روحاني يوم الأربعاء 15 فبراير إلى سلطنة عمان والكويت، لزيارة استغرقت يوما واحدا. وقال في مطار مهرأباد «إننا سندرس الوضع في العراق وسورية، وخاصة في اليمن لإنهاء سفك الدماء». مضيفا، «إن كان هناك سوء فهم سنحله بالمفاوضات». هذه التصريحات من قبل روحاني، إن دلت على شيء فإنما تدل على خوف النظام من المرحلة الجديدة. لأن النظام كان يعتمد حتى ذلك الوقت على تواجد قوات الحرس في هذه الدول، ولم يكن يتشدق بالمفاوضات لحل القضايا والمشاكل. من جهة أخرى نرى تحولات متلاحقة مهمة في المنطقة، حيث تفسر معنى صفة «إستراتيجية» الزيارة:
التوتر في العلاقات بين النظام الإيراني وروسيا هو واحد من هذه التحولات، حيث أبرزت وسائل الإعلام الحكومية للنظام الإيراني، قلقه من ابتعاد موسكو عن النظام، وزيارة الحرسي قاسم سليماني إلى سورية، وهو محظور السفر لتصنيفه في قائمة الإرهاب، جاءت في هذا الإطار.
ولا تخفي وسائل الإعلام التابعة لرفسنجاني - روحاني، الشكوك والامتعاض بشأن تغيير سياسة موسكو في سورية على حساب النظام الإيراني، وتقول «القلق هو أننا ورغم دفع إيران النفقات الكبيرة في سورية.. أن تتجه التطورات على شكل أن تقوم روسيا بتفصيل القماش حسب مقاسها، عندئذ ستكون الخسارة ضعفين بالنسبة لنا» (موقع تدبير الحكومي 14 فبراير).
كل هذه الأدلة تنم عن أن نظام الملالي قد أصبح ضعيفا من كل المناحي، وستزداد هذه الحالة في الأشهر المقبلة. خاصة أن الرجل الثاني للنظام الذي كان نقطة التوازن للنظام قد رحل، وأصبح الجناحان الآن متضررين من فقدانه.
وإذا استحضرنا التحولات التي شهدتها المنطقة خلال شهر أو شهرين ماضيين فيظهر معنى «إستراتيجي» لهذه التحركات، في مفهوم عبارة أن النظام الحاكم في إيران وبعد تجرعه كأس السم النووي، راح يتجرع الآن كأس سم آخر قد يغير مصيره تماما. ويمكن تلخيص الأسباب والمؤشرات التي تدل على ذلك كالآتي:
رحيل أوباما من ميدان السياسة ومواقف الإدارة الأميركية الجديدة من النظام الإيراني
ابتعاد روسيا عن النظام بعد الاستيلاء على حلب
اقتراب روسيا من تركيا والسعودية
تواجد عسكري وسياسي تركي في المشهد السوري
هذه التحولات تنم عن أن نظام الملالي أصبح على وشك الإقصاء من سورية، ويتبعه من سائر مناطق نفوذه في المنطقة، وبذلك فإن تجرع كأس السم الإقليمي بات أمام خامنئي مثل كأس السم النووي، وكأس سم الاتفاق الشامل المشترك، مما جعل خامنئي أمام مفترق طرق، فإما التخلي عن تدخلاته في المنطقة أو استمرار سياساته الحالية مما يجلب له ولنظامه الموت.