تعد التقنية وبرامجها اليوم لغة عصرية لابد من تعلمها، إذ لم يعد الاستغناء عنها ممكنا لا داخل البيت ولا خارجه، فكل أمور الحياة تنجز بضغطة زر؛ لذا يحرص الجميع على اقتناء الأجهزة والتفنن في التعامل مع برامجها المختلفة، يفعل ذلك الصغار قبل الكبار.
وكذلك تفعل المؤسسات الحكومية والخاصة، فتجلب المبرمجين وتتعاقد مع شركات البرمجة بمبالغ كبيرة من أجل تيسير العمل وتسييره، ثم تلحق بعض أفرادها بدورات تدريبية لمعرفة طرق التعامل مع تلك البرامج وإدخال البيانات إلكترونيا، لكنها تنسى في أثناء ذلك أو تتناسى تعليمهم طريقة تسيير العمل عند تعطل تلك البرامج لساعات أو أيام، فلا يعود أحدهم يملك إجابة للمراجعين الذين تعطلت مصالحهم، وخرجوا من أعمالهم لغاية المراجعة إلا (النظام عطلان، عندنا اليوم مشكلة في النظام).
والأسوأ من ذلك أن ما يسجل على تلك البرامج والأنظمة لا يخضع للمراجعة والتحديث الدوريين لتلافي الأخطاء التي يحتمل وقوعها عند تسجيل البيانات أول مرة، مما يعطل المصالح أيضا؛ فحين يتقاعد موظف من دائرة حكومية بعد خدمة 30 سنة، ثم يكتشف أن خطأ في تسجيل بياناته في نظام التقاعد قد تسبب في حذف عشر سنين من خدمته، تكون التقنية والبرامج في مؤسساتنا الخدمية نقمة لا نعمة، وحين ينقل موظف خدماته من جهة حكومية إلى أخرى، ويمضي في العمل في الجهة التي انتقل إليها بضع سنين ثم لا تحتسب خدمته؛ لأن الموظف المسؤول في الدائرة التي انتقل إليها نسي تسجيل نموذج إخلاء طرفه من جهة عمله السابق قبل سنين، تكون التقنية والبرامج نقمة لا نعمة، وحين تفقد تقارير طبية لعمليات جراحية أجريت لأشخاص في مستشفيات حكومية؛ لأن ملفاتهم الورقية القديمة أتلفت قبل تسجيل البيانات، تكون التقنية أيضا نقمة لا نعمة.
إن الضرر المترتب على الحالات السابقة وغيرها كبير جدا، فمصالح المتقاعد مثلا وحقوقه المالية تتأثر بهذا الخطأ، فيتأخر صرف مستحقاته مما يحمله عناء لا يطيقه، خاصة إذا كان مقترضا ولديه التزامات بنكية، أو كان متملكا بنظام التأجير، وكذلك المريض الذي يطلب تقريرا عن عملية قديمة ضاعت أوراقها في المستشفى؛ لأنه بحاجة إلى إجراء عملية عاجلة في العضو نفسه.
والطريف أن المسؤولية عن ذلك كله تلقى على النظام الإلكتروني وبرامجه لا على الموظفين، وكأن هذا النظام يعمل بمفرده. ولا أدري ما الضرر في استحداث دائرة للمراجعة والتدقيق في كل مؤسسة خدمية، تكون مهمتها مراجعة البيانات التي سجلت في النظام دوريا، خاصة تلك التي سجلت في السنوات الأولى لاستحداث التعاملات الإلكترونية. ولا شك أن فحص تلك البيانات وتدقيقها، وتحديثها من حين لآخر مسؤولية الموظف لا النظام، وعليه القيام بها مكرها أو مختارا. لأن في ذلك حفظا لحقوق المواطنين، وهذا واجب الجهات الخدمية.