تعي الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخاطر الاعتداء واحتكاك الناس بموظفيها، وهي في سبيل ذلك طالبت بزيادة عدد رجال الأمن المرافقين لأعضاء الهيئة أثناء قيامهم بالعمل الميداني لتلافي تلك المخاطر.
إلا أن حادثة (مطعون حائل) والتي تناولتها الوسائل الإعلامية مؤخراً تعد مؤشراً لوجود مشكلة إدارية تعاني منها مراكز الهيئة عموماً، فمخاطر الاحتكاك والاعتداء لم تعد صادرة من الناس فحسب، وإنما أيضاً من أعضائها.
ولدراسة وتحليل هذه المشكلة، أجد من الضروري في البداية التطرق إلى جهود الهيئة المبذولة في التقليل من مخاطر العمل الميداني، فقد قامت الهيئة بإجراء بعض الدراسات والبحوث حول تطوير العمل الميداني في مراكزها، وذلك بالتعاون مع الجامعات والمعاهد المتخصصة، وتهدف هذه البحوث في مجملها إلى التعرف على مشكلات العاملين في الميدان وحصرها وبيان مسبباتها، والتعرف على سلبيات وإيجابيات العمل الميداني وكيفية تطويره.
كما قامت الهيئة أيضاً بالعديد من الدورات التدريبية لمنسوبيها في مجال فن التعامل والأداء، وإعداد المحتسب، بالإضافة إلى محاولة استقطاب الموظفين من ذوي المؤهلات الجامعية والعليا، وإيفاد بعض من موظفيها لإكمال دراساتهم والحصول على المؤهلات المطلوبة.
وبالرغم من الجهود السابقة للهيئة، إلا أنها في نظري غير كافية وما زالت الهيئة بحاجة إلى تقييم أداء شامل لأنشطتها وأعمالها، ويمكن القيام بهذه المهمة من خلال وحدة المراجعة الداخلية والتي ترتبط تنظيمياً بالرئيس العام للهيئة، أو من خلال ديوان المراقبة العامة.
وعن طريق مهمة تقييم الأداء نستطيع التقليل من مخاطر احتكاك أعضاء الهيئة مع الناس في الميدان، وذلك من خلال إعداد برنامج مراجعة متكامل يستند على معلومات وبيانات كافية تعتمد بشكل أساسي على عملية تقييم المخاطر.
وللتوضيح أكثر، ومن خلال هذه المقالة سوف أعطي صورة مبسطة ومختصرة لتقييم أداء الهيئة وكنموذج استرشادي يمكن الاستفادة منه، وذلك بالاستناد إلى نظام الهيئة واللائحة التنفيذية لها، ومناقشات مجلس الشورى لتقارير الهيئة السنوية والمنشورة في الوسائل الإعلامية، بالإضافة إلى بعض الدراسات والبحوث المنشورة في هذا المجال.
فمن خلال دراسة هذه المعلومات يتضح أن الهيئة تفتقر إلى وجود قواعد سلوكية مكتوبة للموظفين العاملين لديها في الميدان، بحيث تتعلق هذه القواعد بالممارسات المقبولة، وتتضمن معايير لما يجب أن تكون عليه القيم والتصرفات الأخلاقية، وتبرز أهمية وجود القواعد السلوكية أنه في كثير من الأحيان قد يقوم الموظفون بأعمال خاطئة، وهم لا يعلمون ذلك، أو يعتقدون خطأً أنهم كانوا يتصرفون لصالح الهيئة.
ومن الأمور المهمة جداً في هذا الشأن، هو وجود عقوبات تبعية للموظفين الذين يخالفون هذه القواعد السلوكية.
كما يلاحظ أيضاً أنه لا يوجد لدى الهيئة خطط استراتيجية طويلة المدى وخطط تفصيلية سنوية لتحقيق أهدافها، فمن خلال مناقشات مجلس الشورى لتقارير الهيئة للأعوام الماضية يتضح أن هذه التقارير تتضمن إحصائيات لمجال عمل الهيئة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون وجود دلالات أو مؤشرات تفيد في تحقيق الأهداف والتي هي في الحقيقة تمثل مهام الهيئة وليست أهدافها بالمفهوم الإداري، كما أن هذه الإحصائيات تركز على (الكم) للأعمال والأنشطة دون التركيز على النوعية وتحقيق الأهداف المطلوبة وبالتالي فإن هذا الأسلوب يزيد من مخاطر الاحتكاك بالجمهور لأن موظف الهيئة الميداني سوف يحرص ويسعى إلى ضبط أكبر عدد ممكن من المخالفات حتى يفي بمتطلبات الإنجاز والتي سوف تفيد في تقييم أدائه الوظيفي.
كما أن زيادة ضبط المخالفات من سنة إلى أخرى في تقارير الهيئة لا يعني بالضرورة دلالة جيدة على أداء الهيئة بل على العكس من ذلك، فقد يعني أن هناك خللا في الأداء، ولم تستطع الهيئة إرشاد الناس ونصحهم والحؤول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات وذلك حسب واجباتها ومهامها المنوطة بها، والدليل على ذلك هي زيادة المخالفات من سنة إلى أخرى.
لذا من الضروري وجود خطة استراتيجية واضحة تضعها الإدارة العليا بالهيئة ويتم التنفيذ على ضوء هذه الخطة بحيث تتضمن أهدافا لتحقيقها ويتم مراجعة هذه الخطة مرحلياً لتحديد ما تحقق من أهداف وما تبقى منها، ويتم ربطها بنسب إنجاز موضوعية تترجم إلى مؤشرات أداء خاصة بالنشاط الذي تقوم به الهيئة.
فعلى سبيل المثال هل تستطيع الهيئة تحديد نسب وأسباب الجرائم الأخلاقية في المجتمع؟، وعلى ضوء ذلك كيف يمكن تخفيض هذه النسب ومعالجة أسبابها من قبل الهيئة ؟، وعليه يتم وضع الخطط المطلوبة وربطها بإنجازات الهيئة كما ذكر آنفاً.
أما بخصوص التنظيم الإداري، فإن الهيئة بحاجة إلى وجود أدلة تنظيمية وأدلة إجراءات، ووصف وظيفي لكافة أعمالها وأنشطتها، وتقييم دوري لهيكلها التنظيمي.
فمن خلال الأدلة التنظيمية وأدلة الإجراءات يستطيع موظف الهيئة الميداني معرفة واجباته ومهامه الوظيفية وكيفية تنفيذ العمل بالشكل المطلوب، وتزداد أهمية هذه الأدلة في ظل وجود إشكالية الإشراف على العمل الميداني في الهيئة، بالإضافة إلى وجود إشكالية تصنيف الأدلة الثبوتية في ضبط المخالفات.
بالإضافة إلى ما سبق فإن الهيئة بحاجة إلى إعادة النظر في نظامها الحالي واللائحة التنفيذية لتتواكب مع الأنظمة والمتغيرات الحديثة، حيث إن العديد من مواد النظام واللائحة ألغيت بموجب نظام الإجراءات الجزائية، ومنها على سبيل المثال إجراءات التحقيق.
أكتفي بهذا القدر من الأمثلة والتي من الممكن أن نستنتجها من خلال تقييم أداء الهيئة والتقليل من مخاطر الاحتكاك بالجمهور، والتي آمل من أن تستفيد منها وحدة المراجعة الداخلية بالهيئة.
وفي النهاية أود التنويه إلى أن الانتقادات التي توجه إلى الهيئة سواء من الإعلام أو غيره، تمثل إحدى الوسائل المهمة في سبيل التطوير والإصلاح الإداري لتصب في النهاية في مصلحة الوطن والمواطن.