القمة العربية التي ستعقد في البحر الميت بالأردن في 29 مارس الجاري، أي بعد 4 أيام من الآن، هي الحدث الأقل حضورا في الإعلام العربي والدولي. وربما باستثناء بعض الكتاب المهتمين بهذه القمة، يصعب أن نجد تحليلا أو تقديرا لما قد ينتج عنها، رغم أن الظروف التي تمرّ بها الدول العربية يجب أن تجعل من هذه القمة محطة بالغة الدقة والأهمية فيما يختص بالقضايا العربية، من سورية إلى ليبيا إلى العراق واليمن، إضافة إلى الموضوع الأساس ألا وهو القضية الفلسطينية وعملية السلام المجمدة.

هناك اتجاهان في التفكير: الأول، متشائم ويذهب بعيدا في اعتبار منظومة العمل العربي المشترك، أي جامعة الدول العربية، قد أصبحت في عالم النسيان، وأننا نشهد نهايتها بعد اثنين وسبعين عاما من الهبوط والصعود والترنّح، وأن الآمال التي كانت معقودة على هذه المنظومة لم تعد كذلك، بعد فشلها في احتواء كثير من النزاعات الصغيرة في كثير من الدول العربية.

أما الاتجاه الثاني، فيذهب في اعتبار أن كل تلك التحديات التي تواجهها جامعة الدول العربية لم تكن أصلا في الحسبان، وأن حجم الاختراق الإقليمي كان كبيرا ومباغتا، هذا إضافة إلى الانسحاب الدولي من المنطقة، وكلّها عوامل تجعل من التفكير في تعزيز منظومة العمل العربي المشترك أمرا غاية في الضرورة، أكثر من أيام نشوء الجامعة قبل 7 عقود ونيف.

لا شك أن الظروف التي تعيشها دولنا ومجتمعاتنا خطيرة وغير مسبوقة، وتحتاج إلى التفكير العميق في أسبابها ونتائجها على الدول والأفراد والمجتمعات، وعلى الأُطر المشتركة أيضا، ومنها جامعة الدول العربية التي تعاني كثيرا من المشاكل البنيوية التي تمنعها من تطوير وظائفها بما يتلاءم مع التحديات المستجدة، ومنها الأدوات الرادعة التي قد تساعدها على التأثير في بعض القضايا، كما هو الأمر في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وأيضا بالنسبة إلى دول الناتو كتحالف دولي.

ربما يكون الأربعاء القادم خارج كل التوقعات، ويكون العرب قد انتقلوا من مرحلة البيانات المعدة مسبقا إلى مرحلة الإنجازات والمفاجآت، لأن الجميع يدرك الآن أن الشعوب العربية والعالم أجمع يتوقّع من هذه القمة أن تحدّد الاتجاهات التي يجب أن تسير عليها الدول العربية المعنية بالحفاظ على الهوية العربية والاستقرار، والتي تواجه التدخل الايراني. وقد نجحت حتى الآن في ردع إيران خليجيا في البحرين واليمن، إضافة إلى ضرورة البحث في التوجهات المصرية المعنية مباشرة في مواجهة التحديات، بما أنها الدولة العربية الكبرى ودولة المقر لجامعة الدول العربية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض دول المغرب العربي.

لا نستطيع تجاهل القمة العربية التي ستعقد الأربعاء القادم في التاسع والعشرين من مارس الجاري، والتي لا نعرف حتى الآن مستوى مشاركة الملوك والرؤساء والأمراء فيها، ومن سيحضر ومن سيغيب، مع عدم معرفة الكثير عن الاتصالات التي تجري في الظل بين الدول العربية من خارج إدارة جامعة الدول العربية وموظفيها. هذا إضافة إلى بروز أجواء مصالحات مع عودة الحديث عن تشكيلات عسكرية جديدة كانت محل خلاف خلال السنوات الماضية، إضافة إلى التغيير الذي حدث على مستوى الإدارة في أميركا والاجتماعات التي جرت بين ترمب وبعض القيادات العربية قبل القمة القادمة.

علينا ألا نتجاهل القمة العربية القادمة في الأردن، ويبقى السؤال: هل نتوقع عودة الحياة إلى العمل العربي المشترك من قمّة البحر الميت؟