يوم الثلاثاء الماضي بدأت أميركا في تطبيق قرارها بمنع الركاب المسافرين من 10 مطارات في 8 دول صديقة بحمل الأجهزة الإلكترونية على متن رحلات طيران الإمارات والاتحاد ومصر للطيران والخطوط الكويتية والقطرية والمغربية والأردنية والسعودية والتركية، القادمة من الإمارات ومصر والكويت وقطر والمغرب والأردن والمملكة العربية السعودية وتركيا.  وبينما سيؤثر هذا القرار على نحو 50 رحلة يومية وحوالي 30000 مسافر يوميا، ويؤدي إلى خسائر فادحة لشركات الطيران المذكورة تفوق 500 مليون دولار سنويا من دخلها، فند خبراء أمن الطائرات المزاعم الاستخباراتية الأميركية كون هذا الحظر يشمل عددا محدودا من المطارات في دول محددة، لا علاقة لها بالإرهاب، ويستهدف رحلات الخطوط الجوية المتجهة إلى أميركا، حيث أوضح هؤلاء الخبراء أن الإرهابي يستطيع تجنب هذا الحظر والتغلب عليه بالسفر عبر مطارات أو دول أخرى غير المحددة في القرار.  كما أكد خبراء التجارة العالمية أن هذا القرار جاء لتغطية انتقام شركات الطيران الأميركية من منافسة شركات الطيران الخليجية التي سبق أن وجهت إليها أميركا تهمة الحصول على الدعم المالي المحظور من حكوماتها. لذا قامت الحكومة الأميركية بإصدار هذا القرار مستغلة ضعف خبرة الدول الخليجية بالأحكام القانونية لمنظمة التجارة العالمية التي لا تنطبق على شركات الطيران، بل على صناعة الطائرات فقط.

في أوائل العام الحالي صدرت توقعات الاتحاد الدولي للنقل الجوي «أياتا»، التي أكدت أن شركات الطيران ستقوم خلال عام 2017 بنقل 3.‏3 مليارات شخص و52 مليون طن من الشحن عبر 500 ألف مسار جوي و12 مليون رحلة جوية، مما يؤمن 58 مليون وظيفة عمل، ونقل بضائع تساوي قيمتها 8.‏6 تريليونات دولار أميركي، لتحقق شركات الطيران العالمية صافي ربح يصل إلى 18 مليار دولار أميركي خلال العام الحالي.

هذه الأرقام أثارت انتباه أميركا وأوروبا نحو زيادة عدد شركات الطيران الناجحة في منطقة الشرق الأوسط عامة ودول الخليج خاصة، التي فاقت 79 شركة وأصبحت تمتلك 1252 طائرة، مما سيؤهلها لتحقيق نمو حقيقي خلال العام الحالي يفوق 12% مقارنة بمعدل النمو العالمي الذي لن يتعدى 5.7%.

كما أن هذه الأرقام المرتفعة لشركات النقل الجوي الخليجية أججت الاعتقاد الخاطئ لدى الشركات الأميركية بأن الناقلات الإماراتية والقطرية تستخدم الدعم الحكومي المحظور دوليا من خلال التمويل المباشر وبمعايير تتنافى مع قواعد وأحكام النظام التجاري العالمي، مما دعا الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» إلى الاجتماع الخميس 9 فبراير الماضي مع رؤساء شركات الطيران الأميركية، المكونة من «مجموعة دلتا» و«يونايتد كونتننتال» و«أمريكان إيرلاينز»، واستمع لمزاعمهم بأن شركات الطيران الإماراتية والقطرية تتلقى الدعم الحكومي المحظور بمقدار يزيد على 42 مليار دولار أميركي، مما أدى إلى إلحاق الضرر الجسيم بشركات الطيران الأميركية في الأسواق العالمية، بسبب المنافسة غير العادلة جراء هذا الدعم.

وتزامن هذا الاجتماع مع التقرير الصادر عن شركة «سكاي تراكس»، المتخصصة في تقييم 681 شركة طيران و725 مطارا حول العالم، الذي أكد على فوز 3 شركات خليجية بالمراكز المتقدمة ضمن قائمة أفضل 10 شركات طيران في العالم لعام 2016، حيث تصدرت شركة «كاثي باسيفيك» القائمة في المرتبة الأولى تلتها الخطوط الجوية القطرية، والخطوط الجوية السنغافورية، ثم طيران الإمارات، والخطوط الجوية التركية، تليها خطوط نيبون اليابانية، وجارودا الإندونيسية، ثم آسيانا، وطيران الاتحاد الإماراتية، بينما نالت لوفتهانزا الألمانية المرتبة العاشرة.

ونتيجة للأزمة المالية التي عصفت بالعالم في عام 2008، تواجه شركات الطيران الأميركية اليوم منافسة قوية من الشركات الخليجية التي حققت المركز الثالث في العام الماضي كأكثر شركات الطيران ربحية طبقا لتقرير مجلة «فلايت غلوبال»، الذي أوضح أن شركة طيران الإمارات احتلت المركز الأول كأسرع شركات الطيران نموا في العالم، والمركز الثالث في الربحية بمقدار 1.1 مليار دولار أميركي، إضافة إلى تحقيقها المركز الرابع عالميا في الأرباح التشغيلية، والمركز الثامن في إجمالي العائدات.

على شركات الطيران الخليجية عامة وشركات الطيران الإماراتية والقطرية خاصة أن تلجأ فورا إلى هيئة حسم المنازعات التجارية في منظمة التجارة العالمية لتفنيد مزاعم القرار الأميركي، وأن توضح في مذكراتها القانونية أنها تقوم بتمويل صفقات شرائها للطائرات الحديثة، متبعة كافة المعايير التجارية النظامية. فالشركة الإماراتية مثلا تستخدم أسلوب التأجير التشغيلي بنسبة 43%، إضافة إلى التمويل التقليدي بنسبة 19%، وتضيف عليها برامج ائتمان الصادرات بنحو 25%، وما تبقى يتم تمويله من خلال السندات بنسبة 9% والصكوك أو التمويل الإسلامي بنسبة 4%.

ومن المفروض ألا تكتفي الشركات الخليجية فقط بموقفها المدافع، بل من واجبها استغلال وثائق الحرب التجارية القائمة حاليا في أروقة المنظمة بين شركة «بوينج» الأميركية وشركة «إيرباص» الأوروبية، التي تكشف وتؤكد استخدامهما كافة أنواع الدعم الحكومي المباشر المحظور دوليا لصناعة طائراتها وتشغيل شركاتها، سواء كان هذا الدعم على شكل قروض أو منح مالية تجاوزت أكثر من 73 مليار دولار في أميركا و32 مليار يورو في أوروبا.

وقبل فوات الأوان على شركات الطيران الخليجية أن تعد العدة لحروب الطيران التجاري القادمة، التي بدأت اليوم بالقرار الأميركي الحمائي المجحف، الذي يتعارض صراحة مع أحكام اتفاقيات منظمة التجارة العالمية المبرمة في 1 يناير 1995، ويتنافى مع قواعد اتفاقية شيكاجو للطيران المدني الدولي المبرمة في 7 ديسمبر 1944.