مذ رحلتَ.. وأنا قيد التيهِ..

يلاحقني الفقدُ كثقبٍ أسودَ،

وتغرسُ الذكرياتُ أنيابها كل حين داخل قلبي

الذي وددتُ لو انتزعته لأجلك.

نصف عام..

ولهب اللاكتابة يغتالُ نافذتي

ويواري الذبول في أبجديةٍ رحلت روحها معك.!

نصف عام وطيفك يلاحقني في يقظةِ المنام ومنامِ اليقظة.

حين يضجُّ الليلُ بالصمتِ ..

وحين يحطُّ الشروقُ شاحبًا كعودِ ثقاب لم يلبثْ إلا وقد انطفأ

تارة تسكب ضحكتك الصافية المتدفقة من نبع قصيّ داخل صدرك

فتزهر روحي معها.

وتارة تنقل إلى حديثنا مشهدا قديما من قرية «القصار»

تماما كما عاشرته أنت قبل مايربو عن خمسين عاما

متسلحا بذاكرتك المكانية المدهشة.

ها أنت مجددا تصحبني لأشاهد قمر منتصف الشهر

فتأخذني إليه بحكاياتك معه على ساحل «البُطُن».

وها أنت مجددا تعود لتسقيَ قلبي بضحكتك،

وتشحذ روحيَ كلما كبَّلَتْها أغلالُ الصدمة.ِ

وها أنت تهديني كتابا جديدا،

وها أنتَ تحذرني ألا أرتكب خطيئةَ التأخر

عن موعد ضربته أو عهد قطعته

وها أنتَ تخفي جرحًا غائرًا ثقَبَ صدرك

ممّن واريْتَ بذرتهُ بأهدابِ قلبك

ها أنت تشعل قناديل دموعك اشتياقا لوالدتك

التي رحلت وأنت لم تبلغ الخامسة بعد!

أو لحفيدٍ يندسُّ بين كفيْكَ كمنْ يختبئ في عش غيمة

أو تأثرا بقصيدة «للبردوني»

أو لذكرى حميمة نصبت مظلتها على شطّ قلبك الأبيض.

وها هيَ المشاهد والذكريات تتقافز أمامي

وهناك ضحكٌ أيضًا.. لكنّه «ضحكٌ كالبكاء .!»

فقيدي الأغلى:

ها أنا..

«سطّرَ الحزنُ كلامي..

حين ذابتْ أسطري»

وها أنتَ..

«تجيء كالطّيْفِ.. كالإيحاءِ.. كالمددِ

تمرُّ في أدمُعي.. تُطفِي لهيبَ يدي»


رياض حسين سهيل