يحتاج من يكتب أن يخرج أحيانا عن سياق الجو العام، ولذا بدا لي أن أكتب عن (العصا)، خاصة وأنها تمثل على المستوى العام سنة مهجورة، وعرفا غائبا.. بتصرف أنقل عن الإمام القرطبي في تفسيره المشهور (الجامع لأحكام القرآن) لمعنى قوله تعالى، في سورة طه: {وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى}؛ قوله: «تعرض قوم لتعديد منافع العصا منهم ابن عباس.. وروى عنه ميمون بن مهران قال: إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامة للمؤمن، وقال الحسن البصري: فيها ست خصال؛ سنة للأنبياء، وزينة الصلحاء، وسلاح على الأعداء، وعون للضعفاء، وغم المنافقين، وزيادة في الطاعات.. والإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متوكئا على سيف أو عصا، فالعصا مأخوذة من أصل كريم، ومعدن شريف، ولا ينكرها إلا جاهل.. وعادة العرب العرباء، الفصحاء اللسن البلغاء، أخذ المخصرة ـ أول مراتب العصا، وفيها قصر ـ، والعصا، والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل، والخطب، وأنكرت الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة، والإشارة بها إلى المعاني؛ والشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم».

الإمام السيوطي ذكر في كتابه الشهير (الحاوي للفتاوي)، ص 44،: «قال ابن عباس: التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء، وكان النبي عليه السلام يتوكأ عليها..»؛ كما ذكر الإمام النووي، في كتابه (المجموع شرح المهذب)، عند حديثه في مقدمة الكتاب، عن نوادر الإمام الشافعي، رحمهما الله، ص 31، قال: «قيل للشافعي: مالك تدمن إمساك العصا، ولست بضعيف؟ فقال: لأذكر أني مسافر؛ يعني في الدنيا»، وأنشد بعضهم:

«حملت العصا لا الضعف أوجب حملها

ولا أني تحنّيت من كبر

 ولكنني ألزمت نفسي حملها

لأعلمها أن المقيم على سفر»..

قد تكون جملة «الإجماع منعقد..» من الاستشهاد السابق ذكره، مثيرة بعض الشيء، ولا سيما أننا تعودنا أن يكون بيننا من ينقض إجماع السابقين بقول للمتأخرين، بالرغم من تأكيد العلماء الراسخين، على أن من أراد النقض، عليه تبيين المخالف له من الأولين، لا أن ينقض إجماع السابقين بكلام أو رأي، من كلام وآراء العلماء المتأخرين؛ وقد ذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه (مناقب الإمام أحمد)، ص 178، أنه قال لتلميذه أبي الحسن الميموني: «إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام»؛ ناصحا ومانعا المتأخرين من أن يحدثوا أقوالا جديدة، أجمع عليها متقدموهم، وختاما؛ العصا قرنت عند البعض خطأ بالضرب والجلد، مع أنها فوق ما ذكرت، تحمل دلالات مقدرة، وأهمية خاصة، وإعادة الاعتبار لها، والعلاقة معها مما ينفع ولا يضر.