أزفت مواعيد الرحيل وشارف الموسم الكروي على الانتهاء فيما أخلى الفريق المستضيف ساحات السباق على أرضه ووسط جماهيره مبكراً ولسان حاله قول شاعر ( يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا .. نحن الضيوف وأنت رب المنزل).
ولا غرو أن يكون الاستشهاد بمقولة شاعر من مضارب القبيلة العربية ملاذاً للتخفف من المطارحات النقدية التي تتجاوز درس المنتخب الوطني إلى نظائره من الفرق اليمنية الأخرى على شتى مناحي الحياة.. إذ لا شيء يبدو هنا مختلفاً فما تتبدى به ملاعب الرياضة يعكس واقع الحال لأداءات السياسة والثقافة والاقتصاد.. وحين تفلح إحدى هذه الحقول برصيد إيجابي مائز يكون علينا انتظار مواز له من الإخفاق في حقول أخرى.
تلزمنا بعض القسوة الاختيارية بدلاً من التطبع على ابتلاع الغصص وتصنع الذرائع إذ لا ضرورة تدفع اليمنيين للتخلي عن مسؤوليتهم النقدية تجاه ذواتهم المسكونة بعقدة "الخواجا" والمجبولة على تلقي السهام المصوبة من الخارج.
حسناً يكمل خليجي 20 سجالاته الكروية ويكسب اليمن رهان الاستضافة تماماً كما يتمكن الرئيس علي عبدالله صالح من تحويل مداولات الاختيار إلى قرار سياسي لقادة مجلس التعاون يؤازر وحدة اليمن ويساند خياراتها الوطنية لكن المناسبة تجتر خلفها سجالات بحث عن الانكسارات النفسية في حق وطن تعداد سكانه يفوق الـ 20 مليون ذي يزن يمني.
وحيث ينفرط عقد الأسئلة وتغدو الرياضة مدخلاً استثنائياً للتعاطي الجاد مع أوضاع اليمن، فواجع الواقع، واعتمالات الألم والأمل بين جوانحها فإن جهداً تاريخياً جديداً يتوجب إنجازه في سبيل تأمين مستقبل الشعب اليمني من شراك الأزمات الداخلية ومتواليات الصراع العدمي الذي يحمي شباك البلاد من الهجمات المرتدة ويدرأ عنها مخاطر التصدع وكبوات الاستدعاء المناسباتي لهيبة نظام الحكم.
وبما أفضت إليه نتائج خليجي 20 من مشاركة يمنية باهتة يكون من المناسب اعتبار الشباب في طليعة التحديات الوطنية المستجيبة لرهان المستقبل وهو الأمر الذي لا يمكن النهوض بمسؤولياته دون قرار سياسي تتضمنه رؤية استراتيجية شامله تعنى ببناء القدرات الشابة و تنمية الملكات القيادية المتحفزة وتحصين القوى الصاعدة من الارتهان والتهجين والعمل على تحويل الأندية الرياضية والمنظمات الشبابية إلى مراكز إشعاع فكري ومحاضن تنوير ثقافي وطني تحمل لواء الحداثة والتجديد وتكرس قيم الوحدة والتسامح وتذكي روح التطلع والطموح ومقومات الثقة بالله والاعتداد بالنفس والاعتزاز بالوطن
إن الدولة اليمنية التي أثبتت قدرتها على مواجهة التحدي الأمني وحازت ثناء أشقائها من المشاركين في الدوري الخليجي الهام مدعوة لأن تكون ذاتها في كل حالات اليمن. وفوق ذلك فإنها مطالبة بتقييم أداء مؤسساتها خلال فعاليات المناسبة الرياضية.
لقد كان بوسع اليمن أن تقدم صورة أفضل مما شاهدناه.
وبهذا الصدد فإن الإرادة السياسية اليمنية وهي تحوز مساندة إقليمية واضحة الدلالة وبما أمكنها القيام به من وظائف تتعلق بمسؤولياتها معنية اليوم بتفحص أوجه القصور التي انتابت أداءها.. ذلك أن الإرادة دون تخطيط، والدولة من غير استعداد مسبق- تديره مؤسسات كفؤة وكوادر مقتدرة - لا تستطيع النفاذ إلى أهدافها المرجوة قدر ما تعكسه برامجه النمطية من مظاهر اضطراب وأسباب تراجع.
إن حاجة اليمن للتغيير بالأفضل تمثل – اليوم- أولوية قصوى تفرض نفسها على الرئيس صالح الذي ما يزال في مستوى الثقة بقيادته ..
حاجة اليمنيين تسترعي اهتمام قيادتهم لإعادة النظر في معظم مسلمات الدولة والإقدام بشجاعة على مكاشفة الذات ومراجعة الكثير من أعراض الضمور الذي ينتاب وضع وبرامج الحكومة والنظر إلى اليمن من زوايا مختلفة تليق بمكانة وطن لم يكن في يوم من الأيام مجرد كتائب أمنية معنية بحراسة الفنادق ولا منتجعاً سياحياً يشتمل على ملاعب رياضية فخمة..ومن الظلم تقديم اليمن على هذا النحو الفاجع.
صحيح أن قدرات البلاد وإمكاناتها المادية تحول وتقديم الصورة المثلى لليمن لكن مثل هذا التبرير يفقد مشروعيته أمام ضآلة الكلفة التي تتطلبها الأنشطة والفعاليات الثقافية.
أَليس غريباً أن تقام البطولة في ملتقى البحرين الأحمر والعربي ولا يقام معرض سمكي أو تنظم عروض سباحة وسباقات ألعاب بحرية واستعراضات قوارب.
نحن لا نتحسر فقط ولكنا نتراشق أسئلة طافحة بالمرارة .. فلأي دافع نستكثر على اليمن وضيوفه حالة احتفآء فكري..أماسي شعرية..معارض أثرية ووثائقية.. عروضا فلكلورية..مشاهد تراثية..
أكلما يستطيعه اليمن أن يكون مقهى..؟
من ينصف هذا اليمن الكبير من سطوة التبلد وهيمنة السياسة كورم يجتاح كل شيء!!