عقدت لقاءات سريعة للرئيس ترمب في منتجعه في فلوريدا مع كبار مستشاريه العسكريين، عرضوا عليه أكثر من خيار لمعاقبة نظام بشار الأسد، كان من بين الخيارات استهداف القصر الرئاسي السوري، ولكن ترمب اختار الذهاب إلى خيار آخر، وهو استهداف القاعدة العسكرية التي انطلقت منها المقاتلة التي استهدفت خان شيخون، بـ 59 صاروخ توماهوك، تم استهدافها بعد منتصف الليل.

حاولت عدة جهات إظهار العملية بأنها ضعيفة، ولم تسجل أي تدمير حقيقي على الأرض، ولم يسقط على إثرها أي قتيل من قبل نظام بشار وحلفائه، ولكن الحقيقة هي أن مجرد قيام ترمب بتنفيذ هذه الضربة ولو بصاروخ واحد كانت كافية لتعيد التوازن إلى اللاعبين الأساسيين في الملف السوري الشائك، وإرسال رسالة واضحة وصريحة أن عهد أوباما انتهى، ولن يعود إلى الحياة، وأن الرئيس ترمب لن يقبل وإدارته أي تجاوز للخطوط الحمراء من أي جهة كانت، وبشكل خاص بشار الأسد.

لقد كانت الضربة العسكرية رسالة إلى إيران وروسيا أكثر من كونها رسالة للأسد الذي لا يملك قراراً على الأرض السورية ولا قوة حقيقية، أراد الرئيس ترمب من خلالها إبلاغ الإيرانيين أن دورهم ودور ميليشياتهم في سورية سينتهي، وحسابهم لم يعد بعيداً، وأن السكوت عن تجاوزاتهم في سورية ولبنان والعراق واليمن وحتى البحرين لم يعد مسموحاً به في عهد ترمب، وأن خطوات معاقبتهم عسكرياً واقتصادياً موضوعة على مكتبه، وأصبح أكثر حزماً في التعاطي معها بعد تأكيدات استخباراتية له بأن القضاء على داعش يبدأ بالقضاء على نفوذ إيران في المنطقة، ورحيل الأسد في سورية، لأن تقارير كثيرة حصل عليها أكدت وجود تنسيق وترابط بين هذه الجهات.

إن المرحلة القادمة وبكل تأكيد ستكون مختلفة بالنسبة للأزمة السورية، وخيارات ترمب فيها أصبحت أكبر، وإن استهداف مواقع أكثر حساسية في سورية في مناطق كدمشق تتم دراستها بعناية، فالفرقة الرابعة ومقراتها، بالإضافة إلى منصات الصواريخ على جبل قاسيون والمراكز الأمنية الحساسة في دمشق كلها أصبحت على مكتب ترمب لاستهدافها في أي مرحلة يتطلب الوضع على الأرض ذلك، تمهيداً لإسقاط النظام السوري الذي لم يعد لديه أي فرص بالبقاء، وخصوصاً بعد مجزرة خان شيخون الكيماوية، وتعنته المستمر بتسليم كل تفاصيل الدولة السورية لإيران وروسيا والميليشيات الطائفية الإرهابية.

يبدو أننا اليوم ننتقل بشكل صحيح إلى مرحلة جديدة عنوانها الأساسي ترمب وتحالفاته القوية في المنطقة العربية، وتحديداً الخليج «المملكة العربية السعودية» والعالم في مواجهة إيران وروسيا، وكل من يسعى إلى زعزعة أمن واستقرار الشرق الأوسط، كما جاء اتصال ترمب بالملك سلمان لإطلاعه على نتائج العملية العسكرية دليلا على حجم التنسيق والترابط بين القيادتين السعودية والأميركية في هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب جهوداً جبارة في التنسيق والتقارب الدائم لوقف كافة المشاريع التي تروج لها وتعمل من أجلها إيران وروسيا للتمدد في المنطقة العربية، وبحسب مصادرنا المقربة من الإدارة الأميركية فإن ترمب طلب خططاً للتعامل مع تنظيم حزب الله وإنهاء وجوده في سورية، والتعامل معه كما يتم التعامل مع تنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية.

إدارة ترمب ترى أن وجود حزب الله في سورية زاد من تعقيد الأزمة، وانتشاره وسيطرته على الأرض السورية وقتله وتهجيره للسوريين فاقم الأزمة، وتسبب في ارتفاع كبير بنسبة النازحين واللاجئين من مناطق في ريف دمشق والقلمون وريف حمص وحلب، لهذا فإن عودة هؤلاء إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم تتطلب موقفاً حازماً من قبل الإدارة الأميركية عبر البدء بتنفيذ عمليات دقيقة ومحدودة ضد مراكز حزب الله في سورية، وقطع طرق الإمداد بين لبنان وسورية ومراقبتها بشكل دقيق لمنع انتقال هؤلاء المقاتلين من لبنان إلى سورية، بالإضافة إلى دورهم في نقل وتخزين أسلحة كيماوية سورية في مناطق حدودية من الجانب اللبناني، مما اعتبرته الإدارة الأميركية أمراً خطيراً له تداعيات خطيرة في حال استخدام الحزب لهذه الأسلحة في أية حرب مقبلة له مع إسرائيل أو خلافاته السياسية داخل لبنان.

في المحصلة، دونالد ترمب استهدف سورية بـ 59 صاروخ توماهوك، وستكون له قرارات بعمليات أكثر تأثيراً في المستقبل القريب، ولن تتوقف هذه الضربات مهما علت أصوات روسيا وإيران. فقد حصل ترمب على دعم عربي خليجي أوروبي عالمي في تحركاته العسكرية، بينما عُزِلت روسيا وإيران، وبقيتا بعيدتين عن أي مواقف مؤيدة لهما من دول مؤثرة وقوية اقتصادياً أو سياسياً.

شكر العالم العربي الرئيس ترمب على ضربته التي وصفها كثيرون بالمباركة، كيف لا وقد سقط عشرات آلاف السوريين والعرب شهداء على يد تحالف سوري إيراني روسي دون أي رحمة؟ نعم نقولها بإصرار وثقة بدور أكبر وأكثر تشدداً مع الأسد وحلفائه «شكراً دونالد ترمب»!