عندما أطلقت المملكة مبادرة «نطاقات» قبل 5 سنوات، كانت نسبة توطين الوظائف المقررة في كافة النشاطات الاقتصادية 30% ما عدا قطاع التشييد والبناء الذي تقررت نسبته 10% فقط. ومع أن هذه النسبة ارتفعت في السنوات الأخيرة إلى أعلى من النسبة المقررة، لتصل إلى 59.9% في قطاعات النفط والغاز والتعدين، و37.5% في قطاعي الكهرباء والمياه، و31.6% في قطاعات البنوك والتأمين والأعمال والعقار، إلا أنها انخفضت إلى 6.7% في قطاع التشييد والبناء، و9.5% في قطاعات النقل والتخزين والمواصلات، و12.6% في تجارة الجملة والتجزئة، و12.1% في قطاع الصناعات التحويلية.

لذا جاءت نتائج سوق العمل السعودي، الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، لتؤكد ارتفاع معدل البطالة بين السعوديين إلى 12.3% خلال الربع الأخير من عام 2016، وأن عدد العاملين السعوديين بلغ 2 مليون و61 ألفاً، بينما وصل عدد العاملين غير السعوديين إلى 10 ملايين و883 ألفاً، ليشكل الأجانب 5 أضعاف عدد السعوديين في سوق العمل السعودي. وهذا أدى إلى تراجع مرتبة المملكة على المؤشرات العالمية لتحتل المركز 16 بين أقل الدول استخداماً للعمالة الوطنية، والمركز الخامس بين أبطأ الدول في نسبة النمو الاقتصادي.

وإذا كان عدد المواطنين القادرين على العمل سيرتفع خلال العقد القادم من 5 ملايين إلى أكثر من 12 مليون مواطن قادر على العمل، أي بزيادة تفوق 112%، فمن واجبنا أن نقتنع بمستوى خطورة نتائج سوق العمل السعودي، لنعكف فوراً على توفير الحلول الجذرية التالية للتحديات الملحّة التي ستواجه كل مواطن قادر على العمل، خاصةً أن رؤية المملكة 2030 تهدف إلى خفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6% إلى 7%:

أولاً: الإسراع في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي أثبتت قدرتها على استيعاب العمالة الوطنية بنسبة فاقت 76% من إجمالي العمالة في القطاع الخاص العالمي، وحققت نسبة 55% من إجمالي العاملين في أميركا، و68% في أوروبا، و80% في اليابان، و90% في كوريا الجنوبية. لذا تربعت هذه المنشآت على قائمة أكثر القطاعات مساهمةً في الناتج المحلي لتصل إلى 75% في كوريا الجنوبية، و65% في اليابان وأوروبا وأميريكا، و48% في أستراليا وكندا. ونظراً لأن المملكة تتمتع بمزايا الدولة النامية المستثناة من مبدأ المعاملة الوطنية في اتفاقياتها الدولية، مما يخولها تمويل وتشجيع هذه المنشآت بقروض ميسرة من خلال اتفاقية تيسير التجارة، ويؤهلها لتوليد وتوطين وظائفها طبقاً للاستثناءات الأفقية في اتفاقية الخدمات.

ثانياً: توجيه معاهد التعليم الفني والتدريب المهني لإبرام عقود تدريب خريجي المدارس والجامعات لصالح المصانع الوطنية وقطاع الخدمات المحلي، وصقل مواهبهم لتوجيه مخرجاتهم للعمل في القطاع الخاص السعودي. وهذا ما لجأت إليه معظم دول العالم، حيث قامت دول الاتحاد الأوروبي بتوفير التعليم المهني المجاني للعاملين في منشآتها، لتستقطب 60% من مجموع الأيدي العاملة، بينما أطلقت اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان برامج إدارة الأعمال والتقنية لتدريب 40 ألفا من مواطنيها سنوياً تحت إشراف خبراء الإدارة والإنتاج والتسويق والمحاسبة المالية وتقنية المعلومات.

ثالثاً: إلزام جميع الاستثمارات الأجنبية والمختلطة بالمملكة بتنفيذ تعهداتها المتفق عليها في اتفاقية انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية، والقاضية بضرورة قيام هذه الاستثمارات بتوظيف نسبة من المواطنين لا تقل عن 75% من كافة العاملين في منشآتها المرخصة ابتداءً من اليوم الأول لأعمالها بالمملكة، إضافةً إلى تدريب 15% من المواطنين سنوياً.

رابعاً: مطالبة القطاع الحكومي بأن يكون شريكاً للقطاع الخاص وليس منافساً له، لكي تقفز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 58.7% إلى 70% خلال 5 سنوات. ولتحقيق هذه الخطوة لا بد من الإسراع في التخصيص الكامل لجميع الشركات الحكومية، ومنعها من إنشاء شركات جديدة تنافس الشركات المماثلة في القطاع الخاص. وهذا يتماشى مع التزامنا بمبادئ اقتصاد السوق والتجارة الحرة، التي تفتخر بها المملكة وتمارسها منذ تأسيسها وتسعى لتطبيقها من خلال تشجيع استثمارات القطاع الخاص في المشاريع التنموية المجدية. وهذه الخطوة لن تتحقق إلا إذا استفدنا من مزايانا التنافسية ومارسنا حقنا كدولة نامية، مثل تايلاند وكوريا وهونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا والبرازيل، التي أصبحت تشكل اليوم 28% من اقتصاد العالم نتيجة منع شركاتها الحكومية من منافسة قطاعها الخاص، لترتفع قيمة تدفق الاستثمارات في أسواقها إلى 32% من قيمة الاستثمار الأجنبي العالمي، فغدت معقلاً لصناعة أكثر من 67% من أجهزة تقنية المعلومات و55% من قطع غيار السيارات و33% من محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه.

خامساً: تعديل أنظمة توطين الوظائف وتقويم أهدافها، لتصبح متطلبا فعليا وعمليا يشجع القطاع الخاص على استقطاب الكفاءات الوطنية، وتشغيلها عوضاً عن إلزام هذا القطاع عنوةً بتوليد وتوطين الوظائف. ولتحقيق هذه الخطوة لا بد من البدء في تعديل نظام المشتريات الحكومية ليستفيد قطاعنا الخاص من الاستثناء المميز الذي اكتسبناه في اتفاقية انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية، والذي منح قطاعنا الحكومي أحقية شراء كامل احتياجاته من المنتجات والخدمات الوطنية مباشرة، وتفضيلها على منافستها الأجنبية من واقع التزامها بالمواصفات السعودية، وليس بمدى ارتفاع أو انخفاض أسعارها.

وأخيراً تصوروا جيشنا السعودي بدون سعوديين، وحرسنا الوطني بلا مواطنين، وقوى أمننا الداخلي مليئة بالوافدين، لتقتنعوا بأن قطاعنا الخاص لا يقل شأناً عن جيشنا وحرسنا وقوى أمننا، بل هو خط دفاعنا الأول أمام مخاطر تفشي البطالة، وانتشار الفقر، وتراجع وتيرة التنمية.