فور انتهاء الحلقة التاريخية لقصة «ملكة» ما قبل البارحة، اتصلت بالصديق الإنسان، داود الشريان شاكرا ومهنئا على هذا النجاح المكتمل لواحدة من أروع القصص الإنسانية، بكى داود وبكيت، مثلما بكى الآلاف عند ذروة النهاية، والدموع أرقى شيم المروءة، قلت لداود الشريان: من نشكر فأجاب فوراً: تشكر أولا هذا الوطن الذي نهض بأكمله وفي أقل من يوم من أجل أن تعود بنت الشمال بكل الكرامة إلى قلب العاصمة، ثم تشكر بعده مملكة سلمان بن عبدالعزيز لأن الوطن في عيون «أبوفهد» هو كرامة المواطن الإنسان لا كثبان الرمال وأبراج الأسمنت، لا تنسى أن تتوجه بالشكر الخاص إلى محمد بن نايف بن عبدالعزيز، حيث هو بطل هذه القصة الذي تابعها وسخر لها كل شيء من الدقيقة الأولى حتى مشهد النهاية. شكراً أبا سارة، ابن «النايف» الذي كنا نظن أنه حالة نادرة في تاريخ الأمم والشعوب، فإذا بك تخرج إلينا نسخة من صلبه ودمه.
هنا..... ما هي قصة ملكة؟ قصتها الكبرى تكمن في احترام الحاكم وولي الأمر لعقد المواطنة الذي يربط الحاكم بالرعية. وعند الامتحان نستطيع أن نختبر هذا العقد، وهنا أشهد أن وطني بقيادته هو أحد الأوطان النادرة على وجه الأرض التي تقف مع رعاياها أينما حلوا وارتحلوا وتحت أي قصة تكون، وحينما أسافر إلى فجاج الأرض أشعر أنني أحمل كل وطني معي في أوراق هذا الجواز السعودي الأخضر. أشعر أن هذا الجواز بطاقة كرامة، ولست مبالغاً إن قلت إنه طوق وقارب نجاة. مر الآلاف من حملة هذا الجواز الشامخ بآلاف القصص. دفع هذا الوطن مئات الملايين لقصصهم في أتعاب محاماة أمام مئات المحاكم في مدن الكون وكأنه يقول: لن نهدأ أبداً حتى يعود وسنحاسبه بالقانون حين يصل. وحتى مع قصص الجنح والنشاز يمد هذا الوطن يده الطويلة النافذة، هو الوطن الوحيد الذي يعود إليه ابنه من «جوانتانامو» بطائرة خاصة، وهو الوطن الوحيد الذي يهاتف فيه وزير داخليته أسرة العائد مهنئا وداعيا أن تذهب عائلته إلى المطار لاستقباله عند باب الطائرة.
أختي الغالية، ملكة: أهلاً بك إلى أرض مملكة الإنسانية. وحين فكرت في كتابة هذا المقال سأشكرك لأنك أهديتني العنوان. سأحذف حرفاً من اسم هذا الوطن العملاق الذي لن يحذف منه حرف ولن تصادر فيه كرامة متر أو حتى شبر. لكن الصدفة لوحدها تكمن في اسمك ولهذا كتبت «الملكة السعودية». وحتى لو لم يكن اسمك «ملكة» فإن هذا الوطن الغالي تعامل معك كملكة متوجة، وكلنا مثلك، ملوك على تراب هذه الأرض. أنت بنت الشمال وأنا ابن الجنوب: تأكدي أيتها «الملكة» أن عشرات الأفراد الذين ساهموا في قصتك يعودون إلى جهات خريطة هذا الوطن الأربع. أنت قصة وطن.