أكد الأكاديمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد أن العديد من المرويات الأدبية «التاريخية» المتداولة بين الأدباء وغيرهم غير دقيقة وقد تكون مختلقة.

وقال الرشيد في محاضرة نظمها نادي الحدود الشمالية الأدبي مساء أول من أمس تحت عنوان «تحقيق المرويات الأدبية: ضرورته ومنهجه»، وأدارها الدكتور حسن البنا عزالدين، إن المقصود بالمرويات الأدبية هي «الأخبار المتصلة بالأدباء منذ بدء التدوين حتى نهاية القرن الخامس الهجري حتى محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني» وقسمها إلى عدة أنواع: نوع مبني على الحقائق التاريخية، وهذا النوع لا يمكن تركه دون تمحيص وبحث في أصوله، وخصوصاً إذا كان يحمل أحكاماً تاريخية. كذلك يمثل نوعاً ثانياً ذلك المبني على إيراد أسماء أعلام حقيقيين أو يظن في وجود حقيقي لهم، مثل مجنون ليلي، وعنترة بن شداد. هذا النوع متصل بتاريخ الأدب، وينبغي تحقيقه حتى لا يبنى هذا التاريخ على مرويات مشكوك في صحتها إلى درجة كبيرة. أما النوع الثالث من المرويات الأدبية فهو نوع يتصل بالمسامرة والمفاكهة وأخبار الظرفاء وكثير من الأخبار في سيرة أبي نواس.


مصادر ضعيفة

أعطى المحاضر أمثلة من كل نوع من أنواع المرويات الأدبية، ويرى أهمية «وضع منهج صحيح لتحقيق تلك المرويات وتخليصها مما لحقها من وضع وتزييف لا يتصل بالحقيقة التاريخية أو الأدبية»، مضيفا «من هذه المرويات مثلاً ذلك الخبر الشائع عند الأدباء حول احتفال القبائل العربية بالشاعر الذي ينبغ فيها. هذا الخبر سائر في كتب تاريخ الأدب على أساس أنه أمر لا شك فيه». لكن الدكتور الرشيد أوضح أن أول من ذكر هذا الخبر هو «ابن رشيق» في كتابه «العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده»، متسائلا: كيف لا نجد ذكراً لهذا الخبر مدوناً إلا في القرن الخامس الهجري وهو يفترض أنه ينسحب على تقليد أدبي يعود إلى ما قبل الإسلام؟

وضرب الرشيد مثلا آخر وهو خبر وفادة الأعشى الشاعر الجاهلي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقصة علي بن الجهم الشهيرة مع المتوكل وأبيات ابن الجهم في وصف المتوكل:

أنت كالكلب في حفاظك للود (م) وكالتيس في قراع الخطوب

أنت كالدلو، لا عدمناك دلوا من كبار الدلاء كثير الذنوب.

حيث يعلق الدكتور الرشيد على هذه المروية الأدبية بقوله: وردت القصة – بتصرف يسير – في محاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار لابن عربي، وعنه نقل محمد أحمد جاد المولى وصاحباه في قصص العرب، وخليل مردم في تحقيقه لديوان علي بن الجهم. فالمصدر الأول واحد لا ثاني له، وقد حاولت أن أجد لها أصلاً في كتب المتقدمين كالجاحظ وابن قتيبة والمبرد وابن عبد ربه وآخرين فلم أقع على شيء من ذلك، وهذا وحده كاف في بيان وهن القصة.

وأضاف: مما يزيد في ضعف القصة أن ابن الجهم المتوفي في 249هـ يبعد عن ابن عربي المتوفي في 638هـ ما يقارب أربعة قرون، فأين انزوت هذه القصة الطريفة طوال أربعمائة سنة؟!

ثم انطلق الرشيد في تحليل شخصية ابن الجهم وعلاقته بالخلفاء والأمراء.