لا شك أن عالم النوم الذي نعيشه عالم عجيب ومليء بالأسرار إلا أن تعود الناس عليه أزال منهم العجب منه. ومعلوم أن النوم يساعد على التقليل من الإجهاد النفسي والبدني الذي يتعرض له الإنسان أثناء اليقظة من حركة وعمل وتفكير، والنوم آلية جسمية نفسية تحصل بصورة دورية منتظمة ومتكررة، فتنتظم معها بنفس الإيقاع كل الاستجابات الفسيولوجية عند الإنسان، وتمتاز هذه الآلية بالسكون الظاهر، والنقص الكبير في الإحساس بالبيئة المحيطة مقارنة بحالة الصحو، وبالتالي يقلل من مستوى هرمون الإجهاد، وهذا بدوره يساعد على الاسترخاء وخفض ضغط الدم لاسيما أن الإنسان الحالي مثقل ومجهد بضغوط كثيرة قد تؤدي كلها إلى تقليص فترات النوم أو تجعل منها فترات غير مريحة، وبالأخص إذا قلّت مدتها عن خمس ساعات يوميًا، فقد أشار غالبية الباحثين في هذا المجال إلى عدم كفاية النوم له علاقة بارتفاع الكوليسترول وضغط الدم المسؤولين عن الإصابة بالأزمات القلبية وحدوث الجلطات المميتة، ففي دراسات كثيرة خرجت النتائج إلى أن الأشخاص الذين لا يحصلون على كفايتهم من النوم تزيد لديهم احتمالات الوفاة بأمراض القلب بأكثر من ضعفين. إن النوم نشاط مختلف عن نشاط اليقظة في الجسم، فهو ليس خمولاً واسترخاء للعمليات الحيوية بالجسم، بل إنه نشاط وتغير في وظائف بعض أجهزة الجسم: تغيرات في عمل الجهاز الدوري، وتغيرات في نشاط الغدد الصماء، وتغيرات في الوعي والإدراك، وتغيرات في حواس الجسم أيضاً، فتنخفض حرارة الجسم أثناء النوم، وينخفض ضغط الدم، ويقلّ إفراز هرمونات النشاط والحركة بينما يزداد إفراز هرمون النمو أثناء النوم. ومن فضائل النوم الكثيرة أنه يعمل على صيانة الجسم وترميمه، فالجسم يتعرض خلال اليقظة لأضرار عديدة، سببها الإجهاد البدني والنفسي والملوثات التي يتعرض لها، لذلك فهو بحاجة إلى الصيانة والترميم، وهذا لا يتم إلا خلال النوم، إذ ينتج الجسم جزئيات من البروتين تساعد على إصلاح الجسم، كما يقوم بتعديل توازن الهرمونات مثل الكورتيزون، ذلك الهرمون الرئيسي الذي ينظم الجهاز المناعي والخلايا التي تساعد الجسم في محاربة السرطان، وكذلك هرمون الميلاتونين الذي يعمل على منع تدمير الحامض النووي وإبعاد شبح السرطان لاسيما لدى العاملين ليلاً بصورة مستمرة، وكذلك هرمون الإستروجين الذي يؤدي بطء إنتاجه إلى نمو الأورام في الثدي والرحم لدى النساء.

ومن فضائل النوم الأخرى المهمة والكبيرة هو النشاط المخي وبدرجات مختلفة تبعاً لكل مرحلة من المراحل التي يمر بها الإنسان في نومه مما يؤدي إلى تحسين الذاكرة وتنشيطها، ولذلك عندما نحرم أنفسنا من النوم فإن ذلك يؤدي إلى صعوبة في التركيز وفي الدراسة أو في حل المشكلات أو حتى التحدث بشكل جيد مع الناس، لذلك فالنوم يقضي على أية صعوبات من هذا النوع إذ يعمل الدماغ بشكل أفضل أثناء النوم ويربط الذكريات المتناسبة ببعض ويقوم بتخزينها. فقط تأكد الآن أن النوم يفيد في مساعدة الدماغ على أداء وظيفته بشكل جيد، ويساعد في تحويل الخبرة إلى ذاكرة لا سيما خلال فترة النوم العميق الذي يلعب دوراً مهماً في تنمية دماغ الإنسان.