وضع الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي في حسابه صورة لقصاصة من كتاب، ومع أنها حقيقية وجادة، إلا أنها نكتة مثيرة مريرة، بمنطق عصرنا هذا، وقد أوردها الشيخ كمثال من آلاف آلاف الأمثلة على التشدد الفقهي في تاريخنا. الورقة جاءت معنونة بـ«الحنفية»، وتحيل إلى رواية الكاتب أحمد أمين في كتابه «حياتي» بأنه: «في بداية القرن الماضي، أو قبله بقليل، أدخلت إلى بيوت القاهرة مواسير المياه لأول مرة، وبعد فترة تقرر أن تدخل المواسير والصنبور إلى مساجد القاهرة، وذلك لاستخدامها في الوضوء، بدلا من القرو، وهو حوض يستخدمه المصلون عند الوضوء، ولكن جماعيا. وعندما تقرر استخدام المواسير والصنبور في المساجد، اعترض بعض رجال الدين، كون هذا بدعة لم تعهد من قبل، ولم يفتِ بجواز استخدام ذلك الصنبور إلا أصحاب المذهب الحنفي، ولهذا أطلق على الصنبور اسم الحنفية، وذلك نسبة للمذهب الحنفي، وكلمة الحنفية متداولة في الخليج أيضا». ستجد بجهد يسير من البحث فتاوى ومقولات أشد ظرافة، تنسب إلى رجال الدين كالعادة لإسعاد حياتنا وإضحاكنا، من تحريم القهوة والراديو وتعليم النساء مثلا، إلى تحريم الشامبو بنكهاته، إلى وجود كتيبات وكتب بأكملها في تحريم البلوتوث والجوال والدشّ والبلوتوالكبك.. الخ، وأكثرها ظرفا ربما كان التحريم المشدد بحق كرة القدم، ثم إباحتها تسامحا، لكن بعدة شروط، بدءا بتغيير طريقة اللباس، وإلغاء العوارض والقوائم وحدود الملعب وتغيير عدد اللاعبين، والاستغناء عن حكم المباراة وكل قوانينه، لما في ذلك من الحكم بغير ما أنزل الله، والتسويغ الشرعي في كل هذا هو مخالفة اليهود والنصارى.

الحاصل أنه بهذه الأيام ما زال هنالك من يسهمون في صناعة هذه الكوميديا القاتمة، والأجيال التي ستأتي ستستلقي على قفاها مما نعيشه الآن من الفتاوى والتحريم والخرافة وسائر الهوائل، التي يأخذها أكثر الناس على محمل الجد، وبمشاركة جميع الطوائف مشكورة. أشخاص يدعون أنهم يؤدون الحج والعمرة وهم جالسون في بيوتهم، آخرون يحرمون نوعا بذاته من السمك والبيض، وآخرون يقولون بجماع الزوجة الميتة، وقصص من هنا وهناك عن أكاذيب الثقات، وهلوسات الجن والتلبّس، وقوارير البصاق، زد عليها مقترحات لكراسي بحث بشأن بول البعير، ومؤخرا قصة اللقلق والبيض ابن الزنا. وخذ ما شئت من الكذب والتزوير والاستخفاف والمسخرة. هل فاتنا الحديث عن فتاوى الدم والقتل على أصغر الأشياء كالجهر بالنية، ورفع إصبع التشهد، وأكل لحم المخالف نيئا؟.. الخ.