«إذا رأيتِ جبلـَيْ عُكَّادِ

وعُكوتينِ من مكانٍ بادِ

فأبشري يا عينُ بالرُّقادِ»

نامت عين الشاعر ولم تنم عين العكوتين، وهما جبلان متجاوران شمال شرق مدينة صبيا في منطقة جيزان. تقيل وتبيت وهي نهب البلدوزرات والجرافات تنهش قوائمها وضلوعها، تصارَخَ أهل جيزان يطلبون نجدة العكوتين وما من مجيب، والشركة المستثمرة لمعادن العكوتين تقول إن لديها تراخيص مكتملة لما تفعل.

قبل شهر صدر كتاب للباحث جابر مسعود الفيفي «رحلة ذي القرنين وقصة يأجوج ومأجوج» المذكورة في القرآن الكريم، وقد اختار الرأي القديم القائل إن ذا القرنين هو أحد ملوك مملكة سبأ، مستعينا باللغة والشواهد والإحداثيات، وأكد أن السّدّين الواردين في القصة في سورة الكهف هما «العكوة الشمالية والعكوة الجنوبية»، «حيث وجد ذو القرنين دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا، وهناك بنى لهم الرّدم ليحول بينهم وبين قوم يأجوج ومأجوج.

تقول الآيات الكريمة في سورة الكهف «وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا* إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا* فَأَتْبَعَ سَبَبًا* حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا* قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا* َوَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا* ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا* َحتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا* كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا* ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا* حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا* قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا* قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا* آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا* فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا* قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا»، يقول المؤلف إن ذا القرنين الصّعب الحميري قام بجولته ابتداء من «مأرب» واتجه حتى أقصى نقطة من جهة الغرب في بلاده، يحددها القرآن الكريم بأنها عند عين حمئة، ويحددها الكاتب بأنها العين الحارة التي تقع في وادي خلب غرب جبل صغير يسمى «القرن» قرب مدينة «الخوبة»، والقرن في اللغة هو جبل صغير، ثم عاد ذو القرنين شرقا حتى وصل آخر نقطة شرقية لبلاده «قرن الوديعة» وهي منطقة صحراوية ليس لها ستر من الشمس، ثم عاد، حسب الترتيب القرآني، باتجاه الغرب حتى وجد دون «السدّين» قوما لا يكادون يفقهون قولا، والسّد في اللغة الجبل المنفصل، وهو أكبر من «القرن». ويقول المؤلف إن السدّ في لغة خولان ابن عامر (وأهل فيفاء منهم) يعني السداد الحاجز، ولذلك فهم طلبوا منه بناء سدّ (ومأرب بلاد ذي القرنين مشهورة بسدّها العظيم)، وأجابهم ذو القرنين بلهجته أنه سيجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج «ردْما». ويذكر المؤلف أن «زُبَر الحديد» التي طلبها منهم ذو القرنين ما زالت تستخدم حتى اليوم في جبال فيفاء بنفس الاسم، ولا يكاد يخلو منها بيت، وهي أداة من حديد تستخدم في تطويع الصخور وتكسيرها.

المؤلف بذل جهدا موفقا في إعادة تفسير المفردات الواردة في الآيات لغويا بما يتفق مع سياق القصة القرآنية واللغة العربية، وبذل جهدا طيبا في الملاحظات الجيولوجية على الأرض، وأورد صورا من الموقع المقصود، ومع ذلك فهناك ما يمكن تسجيله كملاحظات على الكتاب، لكن هذه السطور ليست لعرض الكتاب ولا لنقده، إنما غاية هذه السطور هي إضافة صرخة إلى صرخات الأهالي من أجل إنقاذ «السدّين» من أنياب ومخالب البلدوزرات التي تنهشها كل يوم باسم الاستثمار. إنقاذها أو تأجيل هلاكها، فربما انجلت عن كنز سياحي لا يقدر بثمن.