في الحقيقة، إن من عَمِل في مدارس البنات في السعودية، يعرف أن المواقف اليومية التي تحدث بين المديرة وحارس المدرسة تصلح تماما كمادة غنية لحلقات طاش ما طاش، تستقي طرافتها من عدم اعتراف الحارس أنه تحت إدارة هذه المديرة، واستمرار رفض عقله الذكوري هذه السلطة، فضلا أن غالبية المديرات يتدخل أزواجهن في عملهن، فمن الممكن أن يلجأ هذا الحارس إلى زوج المديرة ويشتكي إليه تسلطها، فيرد الزوج: «لا تشكي لي وأبكي لك».
وينتهي الأمر بالمديرة إلى سحب قرارها، واستمتاع الحارس بسلطته الذكورية في ظل الأنظمة التي لم تدرك قدراته.
من أشهر المواقف التي يستخدم فيها الحارس سلطته، هو عمل زوجته داخل المدرسة، إذ تميل الكثيرات منهن إلى استئجار من تقوم بعملها، بمقابل بخس، وتحتفظ هي بباقي الراتب الحكومي، وتحضر زوجة الحارس إلى المدرسة لجلسات الوناسة مع باقي المستخدمات، وفي أحيان كثر تصعد إلى غرف المعلمات، تطمئن على أحوال الرعية، خاصة إذا أخطأ زوجها وأخبرها أن أبلة فلانة انكشفت ساقها وهي تصعد الدرج، وأن عدم لبسها الشراب غير لائق، فتأتي الزوجة لتتأكد من مسألة: هل رؤية الحارس ساق المعلمة جديرة بالالتفات أم لا؟.
الحارس أيضا يستخدم سلطته في أمور أخرى، كأن يقفل باب المدرسة ولا يفتحه حتى لو طالبته المديرة لتخرج معلمة مستأذنة، لمجرد أن هذه المعلمة سبق أن تصرفت معه بقلة احترام، فتذوق المعلمة عاقبة عدم اعترافها بالسلطة الذكورية غير الرسمية في المدرسة.
ما أود أن أقوله هنا، إن الجميع يستطيع استخدام سلطته في السعودية، ولا يخشى العقاب.
صحيح أن ما حدث يوم السبت هو يوم عظيم للشعب السعودي، بالتحقيق مع وزير الخدمة المدنية، وهو بداية جيدة، لكن التحقيق والمعاقبة لن يقفلا الباب.
ما يحدث في بلادنا هو ثقافة مجتمع يشجعها خلل في الأنظمة، أصبح كثيرون يستطيعون الإفلات عبره، وإلا ماذا تفسرون وجود عائلة كاملة في إحدى الجامعات، بل تعيين الأبناء كمعيدين أصبح تقليدا عائليا لبعض مديري الجامعات، فهل سنحقق معهم كلهم ونقبض عليهم؟، والأمر يشمل شركات مثل أرامكو وموانئ ودوائر حكومية.
ولو بدأت في التحقيق معهم ستدخلهم جميعا السجن، وسيبقى النظام يسمح بعملهم، لذا الأسهل عليك هو معالجة الأنظمة، وجعل من العسير تخطيها.