ندرة الصحفي المتمكن باتت واضحة. وكمتابع أستطيع أن اعترف بوجود فقر شديد في المواد الصحفية المصنوعة -ورقيا وتلفزيونيا وإلكترونيا- تلك التي تبدأ من فكرة أو حدث مهم، وتعتمد على الاستقصاء والتحري وجمع الآراء والمعلومات والصور، وتصل بالقارئ إلى الفائدة أو المتعة، وتسهم في حل مشكلاته.

هناك زملاء مميزون، نعم، لكن الذي يحدث اليوم أن البقية أصبحوا صدى لما تنشره وسائل التواصل الجديدة، خاصة مقاطع الفيديو و«يوتيوب»، التي يتناقلها الناس لمواقف عابرة، هي أقل من الحديث عنها وتناقلها؛ فضلا عن التعامل معها كخبر صحفي يستحق النشر!

دوما أستشهد بصحيفة كويتية شهيرة قبل سنوات اسمها «الهدف». كانت تلك الصحيفة تجد رواجا كبيرا؛ لكونها تخرج بمانشيتات حمراء، تتحدث عن غرائب الأحداث ونوادر الأخبار.

كانت تبحث «بالمجهر» عن خبر غير ذي أهمية في صعيد مصر، أو إحدى شقق «السالمية»، وتصنع منه قضية تتصدر صفحتها الأولى!

اندثرت تلك الصحيفة. يقال إنها تحولت إلى صحيفة إعلانات بعدما تجاوزها وعي الناس.

لكن بعض زملائنا الصحفيين، خصوصا بعض العاملين في المواقع الإخبارية، يستنسخون التجربة ذاتها، الفرق الوحيد -وليست هناك فروقات سبعة- أن مسرح الأحداث هو مدننا نحن، وحاراتتا وشوارعنا!

قبل أيام قليلة، انشغلت بعض الصحف بمقطع قصير لشخص يعتدي على رجل وامرأة كبيرين في السن. شرّق الخبر التافه وغرّب، وصنعت منه مادة صحفية، وقضية رأي عام، وتم تناقله وراء الحدود تحت عنوان ظالم يقول: «سعودي يعتدي على والديه!».

بالأمس، لحظة كتابة هذا المقال، يصلني مقطع أشد تفاهة لشخصين يتعاركان داخل أحد المساجد. فعل كهذا لا يقوم به سوى الجهلة وضعاف العقول، وعلاج المقطع هو حذفه؛ فالشاذ لا حكم له ولا قيمة. لكن بعض زملائنا كانوا له بالمرصاد ليلتقطوه فورا ويصنعوا منه مادة صحفية. ولن أفاجأ لو وجدته عنوانا قادما من وراء الحدود مرة أخرى: «سعوديان يتشاجران في مسجد»!

ليت زملاءنا في الصحف، والبرامج، والنشرات التلفزيونية، والمواقع الإلكترونية، إن فقدوا الحماس للعمل الصحفي الحقيقي، وأرادوا الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي و«واتساب»، أن يلتقطوا الجيد منها على الأقل، ولا يشغلونا بتوافه الأخبار. نحن لا نعيش في جزيرة معزولة من العالم، فالعالم يتفرج ويضحك!.