رجل مسن من أهل إسبانيا يسأل شابا سعوديا مبتعثا هناك عن السعودية، وقد دار بينهما نقاش عابر حاول خلاله الشاب المبتعث أن يذكر كل معلومة يمكنها أن ترسم في ذهن الرجل المسن صورة واضحة عن السعودية، فقال ضمن ما قال: إنها بلاد الحرمين قبلة المسلمين، وإنها أبداً ليست صحارى وخياما وجِمالا، إنما شأنها شأن كل البلدان الطبيعية، دولة متمدنة فيها عمران وطرق ومواصلات ومدارس أسهمت في خفض نسبة الأمية إلى أقل من 4%، ثم عرج الشاب بالحديث على مشاركة المنتخب السعودي في كأس العالم لأربع مرات، أولها في عام 94، وكيف حقق المنتخب حينها إنجازات عديدة، أبرزها هدف من أجمل الأهداف في تاريخ كأس العالم سجله «سعيد العويران»، وحين سمع الرجل المسن باسم العويران، حينها فقط قال مبتهجاً: الآن عرفت السعودية، إنها الدولة التي تقع بجانب الإمارات!.

في رأيي أن هذا النقاش العابر بين الرجل الإسباني المسن والشاب السعودي المبتعث يوضح بجلاء كيف فشل الإعلام السعودي تماماً في أن يرسم للخارج صورة واضحة المعالم عن السعودية، فمن في الخارج إما أنهم لا يملكون أي تصور عن السعودية، أو يملكون العديد من التصورات المشوهة التي تشيطن هذه البلاد، فبعضهم ينظر إلينا على أننا أناس نعيش في الصحارى، نسكن الخيام ونركب الجِمال، وأن تحت كل خيمة من خيامنا بئر نفط نغترف منها بلا حساب، وآخرون مقتنعون تماماً بأننا منبع التطرف والإرهاب والجماعات الدينية المسلحة، وأن السارق هنا تُقطع يده فوراً بلا محاكمة، وأن المرأة تُجلد أمام المارة على الضحكة! هذه نماذج من الصور التي يملكها الآخرون عنا، والآخرون هنا ليسوا فقط الغرب، إنما حتى بين الأشقاء العرب من لا يرانا إلا مجتمعا من الأعراب الغارقين في الجهل والأمية بلا إرث حضاري تاريخي على الإطلاق، وأننا لا نملك إلا أموال النفط فقط!. لا شك عندي أن وزر هذه الصور المشوهة يتحمله إعلام الغرب وأفلام هوليوود وأجندات إيران وأقلام القوميين العرب وعللهم النفسية، لكن أيضاً يُشاركهم في حمل هذا الوزر الثقيل «إعلامنا السعودي».

إعلامنا اليوم بحاجة إلى غربلة كامل النهج الذي يستند عليه، بحاجة إلى إجراء تغييرات في أساساته، بحاجة إلى «عاصفة حزم» داخل منظومة هذا الإعلام، وليس الهدف هنا هو تلميع صورتنا، فالتلميع قد يُبنى على ادعاءات كاذبة، إنما الهدف هو عرض الحقيقة كما هي، حقيقة أن هذه الدولة ذات تاريخ وحضارة وإرث عريق، أنها مملكة الإنسانية والعمل الخيري التطوعي الجبار، وأنها اليوم تحديداً زعيمة الشرق الأوسط بلا منازع، وتستحق أن يكون لها مقعد دائم على طاولة الدول المؤثرة عالمياً، إلخ من الصور التي لابد أن يباشر إعلامنا في رسمها وعرضها للخارج.

إن بذرة الأعمال الإنسانية التي زرعها «الملك عبدالعزيز» منذ لحظة التأسيس باتت اليوم شجرة ضخمة متفرعة الأغصان والجذور، منذ عقود والمملكة تسهم في إعادة إعمار الكثير من البلدان التي تعرضت لويلات الحروب والكوارث الطبيعية، من اليمن إلى هايتي مروراً بأكثر من 80 دولة حول العالم مدت لها السعودية يد العون والمساعدة، نزاعات عربية عديدة تم إخمادها هنا كالحرب الأهلية اللبنانية التي انطفأت نيرانها في الطائف، إلخ من المواد التي تُسمِن كل آلة إعلامية، وآلتنا الإعلامية تترك كل هذا الدسم لتمضغ من خشاش الأرض!.

لنتأمل كيف يتعامل الإعلام التركي وإعلام دول أوروبا مع قضية اللاجئين، فاللاجئ ما إن يلوذ بتلك البلاد حتى تحدث فيها حالة استنفار إعلامية، مذيعون يركضون في كل مكان، كاميرات تصور، مقالات تكتب، برامج وثائقية تعرض وأخرى حوارية تناقش، ثم يُرسل كل هذا إلى كل قنوات الإعلام العالمية، ويحشر في كل مواقع التواصل، كل هذا ليس حباً في اللاجئ وإكراماً له، إنما لأن لجوءه إلى أرضهم هو أداتهم التي يُلمعون بها أوطانهم، ويربطونها بالخير والإنسانية، وإعلامنا – إعلام مملكة الإنسانية- مهموم فقط بإشغالنا!. لنتأمل أيضاً في حادثة «شارل ابيدو» وكيف استغل الإعلام الفرنسي هذه الحادثة، وحقق بها العديد من المكتسبات لوطنه، وإعلامنا الشاهد على 128 حادثة إرهابية تعرضت لها السعودية منذ عام 1422 فقط، لم يستغل حادثة واحدة ليدفع بها تهمة رعاية الإرهاب والتطرف التي يسعى الآخرون لإلصاقها بنا.

ختاماً، وبعيداً عن صورتنا في الخارج، أين إعلامنا من مبدعينا؟ أين هو من «غادة المطيري» و«حسام زواوي»؟ فمهمة الإعلام أن يجعل أمثال هؤلاء رموزاً كي تصبح همم كل الشباب عالية، ثم أين إعلامنا من الشباب الذين يقدمون عبر مواقع التواصل مواد معرفية فكرية ترتقي بوعي متابعيهم؟ أين هو من الذين يقدمون مواد ترفيهية احترافية بأفكار مبتكرة؟ أسئلة كثيرة، والوجع أكبر، والحقيقة أن المهمة الأسمى اليوم أمام وزير إعلامنا أن يجعل إعلامنا يؤمن بقضية، أن يكون له هدف ورسالة، أن ينشغل إعلامنا بنا لا أن يشغلنا بأنفسنا.