لا خلاف أن طالب اليوم اختلف اختلافاً جذرياً عن طالب الأمس قبل أربعين سنةً تقريباً؛ لتطور الحياة علمياً، وتقنياً، واقتصادياً، واجتماعيا وغيرها.

كان لطالب الأمس اهتمام وحرص ورغبة منقطعة النظير في طلب العلم حتى أصبحت القراءة الحرة ديدنه، فشغفه الكتاب حباً، وبذل من أجله الغالي والنفيس لصعوبة الحصول عليه!

ومنذ طفرة النفط إلى يومنا هذا صرفت حكومتنا مئات المليارات لنشر التعليم، إلا أن طالب اليوم فقد الاهتمام بالتعليم، وأصبح هامشياً عنده إلى حد ما، فأصبح يبحث عن الأعذار الممكنة للغياب، ويرقص فرحاً إذا هب غبار، أو سقطت زخات مطر، منتظراً قرار تعليق الدراسة، ومتمنياً استمرار ذلك!

إن معظم طلابنا لا يدركون أهمية التعليم إلا إذا وقع الفأس على الرأس! وكيف لا يفقد التعليم أهميته عنده، وهو يرى أن كثيراً مما يتعلمه بعيد عن واقعه، وأن المدرسة لا تكسبه المهارات اللازمة لحياته، وأنه تعليم تلقيني ونظري بعيد عن استخدام التقنيات إلا ما ندر.

وأن بطالة الجامعيين في ازدياد، وأن اللاعب المحترف يباع ويشترى بالملايين، ويحصل على مكافآت خيالية، وأن الممثل والمطرب صاحبا حظ عظيم، وهما قدوة للكثيرين، وأن العالم، والأديب، والمثقف يفنون أعمارهم في سبيل العلم وخدمة الإنسانية، والقليل جداً منهم من يبتسم له الحظ!

وكيف لا يفقد التعليم أهميته لديه، وهو يرى ويسمع أن بعض من اتخذه قدوةً له من معلم، أو وكيل، أو مدير يخل في أداء عمله، ويتلاعب، ويرتكب ما يشينه إلا من رحم ربي.

وكيف لا يفقد اهتمامه بالتعليم وهو لا يؤخذ برأيه في تعليمه، وأن دوره متلق للمعلومات من كم هائل من الورق المصقول الملون، فيأخذ من كل علم وفن بطرف. ويرى كذلك أن مبدأ الثواب والعقاب غير مطبق بطريقة صحيحة، وأن نظام المهارات لا يكاد يفرق بين الجيد والممتاز، وأنه أسهل طريق للنجاح!

وهذا غيض من فيض من الأسباب التي أدت إلى ذلك، وفي كل يوم يزداد الأمر سوءاً. فهل نلوم الطالب لذلك أم غيره؟ ولماذا لا نعترف بذلك، ونبقى نبكي على أطلال تعليم أنتج إنساناً مخلصاً اعتبر طلب العلم فريضة، وأن طلبه من المحبرة إلى المقبرة؟