التشبع بالجو الذي تنشره التصورات القاتمة عبر قنوات الإفتاء التكفيرية، وخطابات التشنج المحرضة على الكراهية والعنف والعنصرية، والاستعداء على مشاريع التطوير الوطنية، تفرض تضافر جهود الكتاب والمفكرين وذوي البعد الإنساني لدحض حجج وافتراءات فكر الإرهاب الدموي.

ضمن الاستطلاع الفكري الذي نشرته جريدة الوطن السبت الماضي عن الإرهاب طرح القاضي عيسى الغيث رأيه عن الفكر الإرهابي بطريقة تفكيكية رابطاً- بعقلانية تعليلية- الإرهاب بأصله الحقيقي، قائلاً إنّ "الإرهاب أنواع؛ إرهاب مكتوب، وإرهاب منطوق، وإرهاب مفعول، وأصل الثلاثة "الفكر"، ولذا فإنه إذا فسد الفكر فسد اللسان والبنان فتأتي الأفعال تكفيرا وتفجيرا"

المفتي في المواقع الإرهابية يفتش في تراثه- العتيق تاريخا والمختلف ظروفا وحاجات- عن فتوى تؤيد تطرفه للاعتراض على أي توجه تنموي تتطلبه الحاجة وتفرضه راهنية الواقع، ويستشرفه مستقبل الدولة الطامح للنهضة، فإن استعصى الأمر عليه أشرع باب سد الذرائع بطرح هزيل هازئ بحاجات الناس لأجل توهم لا يتعدى ظناً يغلّب سوءاً

يستعدي الإرهابي على الغرب، وهو يعلم أن أعظم وسائل التواصل مع العالم الإنترنت"هو منتج غربي خالص، لم يضف عليه أحدهم تكنولوجياً مثقال ذرة من خردل، لكن لأن الإرهابي "لا من خيره ولا كفاية شره" يلجأ لنشر أهدافه الإجرامية بواسطة هذه التقنية العظيمة في الوقت الذي يمارس بها الاستعداء على صانعها، ويتقلب الإرهابي مع دعوى"التغريب" حسب مصالحه، فبعد أن أفتى بحرمة دخول المرأة على الإنترنت بدون ولي، ها هو يوظفها فيه إرهابية تقوم بالتحريض، والرابط التالي يوضح أن 40% للمواقع الإرهابية تديرها نساء،كوفاء الشهري التي أرسلت نداء في شهر مايو 2010 لنساء القاعدة في السعودية، تحثهن على الهروب لليمن، ليستظلوا بعرين أسود الجهاد هناك، كما تدعي

http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=13680&I=800759

ولأن نفس الإنسان مقدسة، وهدم الكعبة أهون عند الله من إراقة دم بريء، "ليس الهدم لمجرد الاختلاط بالطبع كما يتوهم ذلك المحتسب الأحمد"،

فبحسبة بسيطة تضع مقولات التطرف على محكات النقد والفحص والتفنيد، نندهش لجرأة التعبير الأكثر حدة في التناقض بين ما هو واقع ومشهود، وما هو عازف عن الحق والصدق، ككذبة؛ أن الإرهابي كالليبرالي خطورة، بتطرف همجي يسقط هيبة قدسية النفوس!

فالليبرالي حر يؤمن بقداسة حق الإنسان في الحياة، وفي الحرية والتعبير، ويؤمن وبشدة بحرمة الدماء، لكن ذهنية التطرف تشطح بأكاذيبها ليس لتضحك على نفسها فقط بل لتحصر تفكير العامة في دجلها، وعندما انتشرت الكذبة وملأت الآفاق، أطلق بعض المنتمين ولاء لفكر التشدد والإرهاب كذبة أغبى من سابقتها؛ أن الشباب "المتحمس" ،كما يسميه المتشددون، ينفعلون بسبب أطروحات الكتاب فيبادرون للانضمام للإرهاب، فهل عذرٌ أقبحُ من هذا الذنب! وهل الإرهابي الخاطف لنفوس الأبرياء يطلق عليه مجرد شاب متحمس؟! ثم ما وجه اضطراره لهذا التحمس العظيم؟ أيصرف لفائدة الإنسانية؟ أم يتقرب به لخدمة رؤوس الإرهاب؟!

وإضافة لقصر نظر هذا الدفاع المتدني واللا إنساني، وافتقاده للذكاء التبريري، فهو افتراء لمصلحة هذا"الشاب المتحمس" باللعب على وتر اللغة لمصلحة الجرائم الدموية، وإخفاء الحقيقة خلف ألفاظ عامة مضللة لأجل التهويل ك"تغريب"، وتحويل مجرى المسببات عن أجندات التنظيريين النائية عن الحق والملفقة للتهم جزافاً.

وبالنظر للغة الدماء تكتمل الرؤية، كتعليق أحدهم على فتوى الكاشيرات بقوله:

"في ظني أن فتوى اللجنة الدائمة أجهضت مشروعهم، وشغب الصحافة عليها لا يعدو حركة المذبوح، فإن قوة تشحط الشاة المذبوحة في دمها لا يعني إلا أنها في سياق الموت"!!

إن قوة الحق تتجلى في الضمير الحي والعقل الحر الذي يختار بملء إرادته أفكاره وتطلعاته، وهو حق كفلته الشريعة في آيات عدة ربما أوسعها نطاقاً "لا إكراه في الدين" التي لو قرئت بمجالها الحر لوسعت الاختلاف ولقضت على أحادية الفكر المتطرف.

وبالعقل نقود أحكامنا، ونضبط انفعالاتنا، ونقوّم اعوجاجنا، وندير دفة أمورنا الدنيوية مصداقاً لقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم( أنتم أعلم بأمور دنياكم)،وهنا ملمح هام يفصل أمور الدنيا عن استجلاب الفتاوى، فالجديد لا يمنع لمجرد جدته، وأمور الدنيا تقع في سعة المباح، ولا تحرم لمجرد التوهم والتوجس، أو نتيجة لرغبة الركون للجمود

من حقائق التاريخ:

يرى هيغل "أن كل من يدرس التاريخ يرى أن البشرية تتطور باتجاه قدر أكبر من العقلانية والحرية، ورغم كل العوائق تتجه سيرورة التاريخ إلى الأمام ، فنقول إن للتاريخ هدفا واحدا: أنه يتجاوز نفسه" العقل ينمو ويعرف ويترقى بطموحاته المعرفية، وبإمكان أي شخص الاطلاع على كل جديد وتغريبي بحرية مع الإبقاء على الدين، لكن منطق اللاثقة واللامسؤولية، يطرح الوهم كقبول شعبي حتمي يفرض جريمة انتهاك الدماء، فالمحتسب الشهير في الفيديو المرفق يضرب على رقبته لمنع الاختلاط

http://news-sa.com/snews/2576