الطبيب الذي يرتكب أخطاء فادحة، يدمر المريض نفسياً وصحياً لأجل الحصول على بضع هللات إضافية، لم يكن يحلم حين كان على مقاعد الدراسة إلا أن يكون ملاك رحمة، والموظف المرتشي المتزلف الذي يعطل مصالح العباد، كان يحلم في أول يوم وظيفي أن يكون أميناً مخلصاً في عمله، فما الذي حدث حتى يتحول هؤلاء إلى هذه الصورة التي كانوا يلعنونها في بداياتهم؟! الذي حدث هو انضمامهم إلى العمل في مؤسسات تحكمها قوانين فارغة لا قيمة لها، وأهم الأسباب التي تُفقِد القانون من كل قيمة هو «غياب الرقابة».
المعادلة إذًا كالتالي: المراقبة تُكسِب القانون قيمة، تجعل له معنى، وحينها، حين يتم وضع آلية مراقبة وفرض قوانين صارمة، ستتهذب أخلاق الناس وسيتم لجم الفساد، إذًا بدون مراقبة لا جدوى أساساً من عملية التقنين، ومؤسسة
لا تخضع للرقابة والمتابعة إما أن تُحوِل موظفها الورِع التقي إلى شيطان رجيم، أو أن تحوله إلى شيطان أخرس. وإننا حين نتحدث عن مؤسسات الدولة فالرهان الوحيد هو الرهان على عملية المراقبة والمحاسبة، لأن هذه العملية هي ما ستُرغِم حتى شياطين الإنس على ارتداء ثياب الأتقياء، وتضييق الخناق على شياطين الإنس يضمن للمجتمع الطمأنينة وراحة البال.
وقد شعر المجتمع سابقاً بالقلق مما يحدث في حلقات التحفيظ والمراكز الدعوية، فطالب حينها بمتابعة هذه الأنشطة ومراقبتها وتنظيمها، وفعلاً خضعت هذه الأنشطة للرقابة لا بهدف التغريب أو محاربة الدين كما زعم المتضررون، وإنما بهدف ضمان عدم تفلت الفوضى وعدم التلاعب بعقول الشباب وعواطفهم وتهيئتهم لأن يكونوا حطباً في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والأمر لم يتوقف عند حلقات التحفيظ، وإنما شمل كل أنشطة المؤسسة الدينية، فالمساجد مراقبة، والاحتساب تم تقنينه، وعمل هيئة الأمر بالمعروف تم تنظيمه، والمتجاوز بين هؤلاء يحاسب، في الأخير لا يوجد سبيل آخر لزرع الطمأنينة في المجتمع إلا بهذا.
واليوم هنالك حالة من القلق تجاه ما يحدث في القطيف، قلق من تزايد حالات الاعتداء العنيف على رجال الأمن والمواطنين، وحتى على الممتلكات العامة، وإن هذا الشعور بالقلق يبدأ من مجتمع القطيف نفسه قبل المدن الأخرى، وها هو سماحة الشيخ «حسن الصفار» ابن القطيف يُعبر بوضوح عن هذا القلق بدعوته الصريحة إلى ضرورة إعلان حالة «طوارئ اجتماعي» لأجل تحصين أبناء القطيف فكرياً ونفسياً واستيعابهم فيما يخدم وطنهم، لا أن يكونوا معاول هدم وتخريب وتشويه سمعة مجتمع القطيف المسالم، لابد أن يكون هنالك عمل حازم فوري يقابل كل هذا العنف والرغبة في التدمير، فالوقت لم يعد يسمح برفع شعارات الرفض والشجب والاستنكار من داخل المغلقة –كما عبر سماحته- فالشباب يفسر مثل هذه المقاومات الناعمة على أنها ضوء أخضر للمزيد من التطرف.
ومبدئياً، أنا على يقين أن ما يقوم به متطرفو شيعة السعودية، يخدم أولاً وأخيراً أجندات خارجية، ويصب في صالح المشروع الإيراني الصفوي التوسعي، كذلك ما يقوم به متطرفو سنة هذه البلاد يخدم ويصب في صالح نفس المشروع، لاشك عندي أن شخصيات كـ«البغدادي وحسن نصرالله» ليسوا إلا بهائم لإيران ينفذون ما تمليه عليهم، لكن حين كان السؤال المطروح: لماذا يُبايع بعض شبابنا «البغدادي»؟ وجدنا الجواب في ثقافة هؤلاء التي تمت صياغتها داخل حلقات التحفيظ والمراكز الدعوية، وداخل الصحوة عموماً بكافة أنشطتها، والتي هيأت الشباب أن يكونوا متقبلين للعنف والتطرف طمعاً في الجنة و«حورٍ عين».
والسؤال اليوم: لماذا أبناؤنا من الشيعة لديهم قابلية للانصياع خلف كل ناعق ينعق أمامهم بشعارات طائفية؟
لماذا فيهم من يرى رجل الأمن عدواً له؟ عن ماذا يبحث هؤلاء؟ حتماً من يحركهم خارجياً لديه أهداف دنيوية سياسية دنيئة، لكن ما الذي يسعون إليه هم؟
إنهم ببساطة يسعون للأجر والمثوبة وارتقاء درجات إضافية في الجنة، يدفعهم حب «آل البيت» ونصرة الحسين، والكثير من الأفكار التي توضح أن الخلل في ثقافة هؤلاء التي تشكلت وتمت صياغة الجزء الأكبر منها داخل الحسينيات، وما يحدث فيها من طقوس، وما يقام فيها من مواعظ تؤصل لعقدة المظلومية، وتؤجج مشاعر الكره والرغبة في أخذ الثأر، وليس المقصود هنا الحسينيات وحدها إنما جميع الأنشطة التي تقام باسم التشيع
ومحبة «آل البيت».
لابد أن تتم مراقبة كل نشاط يقام باسم التشيع، فمِن الملالي والآيات مَن يقوم بتهيئة شباب الشيعة –فكرياً ونفسياً- لأن يكونوا سلاحاً جاهزاً يستخدمه كل طامع، وهؤلاء هم المُلام الفعلي، ولابد من مراقبتهم وملاحقتهم من حسينية لأخرى، لابد من السيطرة عليهم للحد من ظاهرة المتاجرة بسيرة «آل البيت» واستغلال اسم «الحسين» لأجل الحصول على بضع هللات يضيفونها إلى أرصدتهم البنكية.
ختاماً، إن إشكالية اليوم وكما حصل مع طالب الطب الذي كان يحلم بينما هو على مقاعد الدراسة أن يصبح «ملاك رحمة» فإذا به يتحول في نهاية المطاف إلى «مصاص دماء» بسبب عمله في مستشفى لا رقابة عليه، كذلك أجد هذا الشاب المسكين –سنيا وشيعيا- يدخل حلقة تحفيظ أو حسينية حالماً بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، ليجد نفسه في نهاية المطاف يسير في كل الطرق المؤدية إلى جهنم!