حصلتُ على رقمه بجهد شديد، واتصلتُ به من لندن مكالمةً مدفوعة، جاءني صوته مخبرا أنه مجبر على تلقّي اتصالي، قلت له: أمامي الآن على شاشة الكمبيوتر مقطع «يوتيوب» تتحدث فيه حضرتك في مؤتمر للتعليم عن إنجاز حَققْتُموه في قسمكم، يعبر عنه بـ1200 مدرسة، أنا أحتاج تقريرا واحدا لمدرسة واحدة، صمت قليلا ثم قال: أرسلي خطابا رسميّا لنا، مرفقا بخطاب من الملحقية ومن مشرفك، وسأهتم بنفسي بحصولك على جميع ما تحتاجينه.

فعلتُ كما طلب، وبقيتُ أنتظر أسبوعين، ثم حدثته مرة أخرى، وطلب خطابا آخر، ثم اتصلت به بعد ذلك، وردّ باقتضاب: لم أعد مسؤولا عن هذا القسم في الحقيقة. علمت أن ما قاله في مؤتمر الوزارة غير حقيقي، ومجرد ادعاء يتهاوى عند أول محاولة لباحث عن الحقيقة.

موقف آخر حدث لي مع وزارة التعليم ومركز البحوث التابع لها، إذ حذرتني زميلة منهم، وكيف أن مجرد خطاب واحد يأخذ من وقت الباحث الشهر والشهرين، لكن ما لم أتوقعه أن تردّ موظفة على رسالتي بكلمتين «ليس لدينا»، مع خطأ إملائي، ربما نتج عن فرحتها بالتخلص مني، ثم حصلت عبر صديقة على رقم أستاذة مميزة، اسمها بدرية المصري، حلّت بعض الإشكال بإعطائي إيميل مركز البحوث في الوزارة، والذي مضى على رسالتي لهم أياما دون أن يردّوا عليها.

أقول لزملائي السعوديين: أحيانا ربما أفسدتنا بريطانيا، وجعلتنا كباحثين نتوقع أن نحظى باحترام معين، ودرجة تقدير عالية، ومستوى من التعاون، يذهلك أحيانا بدءا من مكتبة الجامعة التي تمتلئ بالموظفين الذين يصدق فيهم قول الشاعر: «كأنك تعطيه الذي أنت سائله»، والدورات المجانية الذي تشرح لك طريقة التعامل مع البرامج والتقنية الحديثة، كذلك المواقع البحثية التي توفرها لك الجامعة بالمجان، بل إن مؤسسات الدولة كلها مطالبة أن تردّ على استفسارك إذا لم يكن موجودا بالأصل في موقعهم، وما هو في موقعهم هي معلومات موثوق بها، وليس استعراضا كاذبا.

خاطبت «OFSTED»، وهي المؤسسة المرتبطة بمجلس الوزراء البريطاني، والتي تقوّم التعليم، فردّوا عليَّ خلال يومين، بينما تخاطب موظفا في إدارة بحوث في جامعة باتصال تليفوني، فيقول لحظة لو سمحت، وتسمع صوته ينادي زميله الذي يبدو ذاهبا لإحضار الفول لهم «كثّرْ الشطة لا تنسى»، ثم يعود إليك قائلا: «إيش كنت تبغي نسيت»، فترد: أخوي لو سمحت ركِّز معي، أنا أتصل من لندن، فيرد بغضبٍ: «درينا إنك في لندن إيش يعني».

ما يدفعك إلى التساؤل: هل عجزت إدارات ومراكز البحوث عن تعيين موظفين على درجة علمية تمكنهم من تقدير البحث والباحث؟

في بريطانيا كذلك مؤسسات تقوم على هبات خيرية للبحوث، فتشترك فيها كطالب بمبلغ رمزي، ليصلك كل شهر تقرير عن آخر ما بحث فيه العلم في مجالك مع إهداء كتاب.

أتساءل عن وضع طلاب الدراسات العليا في السعودية، وكيف يحصلون على معلوماتهم، لا شك أنهم مجاهدون وأبطال حقيقيون، إذ استطاعوا إكمال بحوثهم وسط هذه البيئة التي لا تشجعهم ولا تحترمهم.