طالما كانت غربة الروح أشد وقعا وفتكا من غربة الوطن والأهل، فعندما يفقد الإنسان أحد أهم عناصر التعايش مع البيئة المحيطة به فإن ذلك يعني أنه اغترب روحيا وأصبح على حافة هاوية «الإحباط الاجتماعي» الذي يصل فيه الشخص إلى أعلى مراتب الرفض وعدم تقبل العيش والمعايشة، خصوصا في البيئة «القمعية» التي تقيد حرية الإنسان، وتحاول بشتى الوسائل خلق تلك العقبات باسم العادات والقبيلة، مما تُفقد الإنسان إحساسه بقيمته، لاسيما أن أكثر المتضررين هن الإناث في البيئات المنغلقة. نتج عن ذلك القمع ظاهرة «الهروب»، والذي كان موجودا في القديم بين القبائل العربية عندما تتعرض المرأة لعنف أو إجبار على فعل معين فإنها تلجأ إلى إحدى القبائل المعروفة بإنصاف «الدخيل» وتوفير الأمان له حتى يتم حل المشكلة جذريا. لذا فالهدف من لجوء الهاربات هو الأمان الذي يقع في المرتبة الثانية من احتياجات الإنسان في نظرية الدافع البشري «هرم ماسلو»، والأمان يشمل الأمان الجسدي، والنفسي، والأمان الوظيفي، والأسري، والصحي وأمان الممتلكات، والتي يختلف البشر في تحمل عناء فقدانها. عندما تتعرض الفتاة إلى عنف أُسري من أب أو أخ مصاب بمرض نفسي أو فساد أخلاقي أو إدمان ولا تجد من ينصفها في مجتمعها القريب تحت شعار «البيوت أسرار»، فإن فكرة عدم وجود شيء تفقده بعد هروبها تسيطر على العقل وتصبح الفتاة معرضة لاستقبال أي تأييد لها في فكرة الهرب، لتبدأ تغذي تلك الفكرة بعدة وسائل، سواء بعلاقات شخصية أو مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تبنت معاناة كثير من المعنفات والباحثات عن الحرية الاجتماعية، والثقافية، والنمطية والسلوكية. هاجس الهروب أصبح حلم كل فتاة تتعرض للعنف الأسري، سواء نفسي أو جسدي، وواجبنا هنا أن نتجرد من السرية في حل تلك المشكلة، من خلال التعاون مع حقوق الإنسان، وتكثيف جهود لجان الحماية من العنف الأسري، ووضع عقوبات صارمة تحد من تلك الممارسات العنيفة ضد الزوجة أو الأبناء.