طريق الرين شبح الموت، خاطف الحياة وعزرائيل الأمل، فكم يتم طفلا، وأرمل زوجة، وفطر قلب أم على ابنها، وهو قضاء الله وقدره، نؤمن به كما نؤمن بأن الحياة آجال وللموت أسبابا، ولكن في المقابل الأخذ بالأسباب مع التوكل دائماً واجب.

طريق «الرين» لمن يجهله هو طريق حيوي يربط جنوب المملكة بالعاصمة الرياض، تم افتتاحه قبل سنوات، وتباشر الناس فرحاً بافتتاح طريق جديد، يختصر عليهم المسافة، ويقدر الوقت من ضياعه في المرور بمدن وقرى لا حاجة للعابرين فيها، وبمرور الوقت ظهرت سلبيات هذا الطريق حتى غدا بمثابة طريق وادي الموت في نيفادا، وأراد سالكوه اختصار المسافة من العاصمة إلى الجنوب، فاختصر عليهم طريق «الرين» الحياة، الطريق بالرغم من أنه اختصر المسافات من جنوب المملكة إلى العاصمة الرياض والعكس إلا أنه يفتقد أبسط خدمات الطرق السريعة ، أولها وكأبسط تلك الخدمات لا توجد فيه منظومة تحفظ أمان الطريق من سرعة المتهورين وحماقاتهم، فقبل أيام انتشر مقطع فيديو لأحد المتهورين الذي كان -بلا مبالاة- يصور الفيديو وهو يشرب الشاي الذي يعده بنفسه أثناء الطريق، وبيده اليمنى يدخن الشيشة، والأخرى يصور بها الفيديو، هذا المتهور لو علم أن هناك دوريات أمن ستوقفه وتعاقبه لما تجرأ أبدا على هذا الفعل، كما أنه تندر فيه محطات البنزين، وقبل أن تدخل الطريق قادماً من الرياض أو متجهاً إليه تنتشر على ميسرة الطريق وميمنته هذه العبارة «عب الموتر فل ما فيه محطات» كلوحات إرشادية تطوعية من المواطنين الذين عاشوا مواقف مرجفة لهذا السبب.

جميع ما ذكر سابقاً لا يعد شيئا بجانب قنابل الطرق المتحركة التي تتمثل في «الإبل السائبة» على الطريق، والتي أصبحت هاجسا يؤرق المسافرين وخطرا يتربص بهم في كل لحظة، بالإضافة إلى تلك المساوئ هناك مع اختلال الأمن في الطريق وغياب قوانين تجاوز السرعة، ما يسببه سوء تنفيذ الطريق وتعبيده من تفتت الإسمنت وتهالكه الذي أدى إلى كثرة الحفريات والمطبات، والتي كانت السبب الرئيسي في وقوع الحوادث وانقلاب السيارات، ليأتي بعد تلك المعطيات دور غياب اهتمام الصحة بطريق بلغ عدد الحوادث فيه لعام واحد فقط 422 حادثاً مع وفاة 55 شخصاً، هذا غير الإعاقات بالجملة، والحالات الصحية الأخرى التي تستوجب بقاء الحالة على السرير وتحت الأجهزة، فنجد أنه بعد كل هذا الازدحام لا توجد هناك أسرة وغرف كافية في المستشفى لاستقبال ضحايا طريق الموت.

هذه المساوئ هي الأبرز والظاهرة أمام العيان وما خفي أعظم. تفصيلياً نحن لا نعلم ما هو واجب وزارة النقل أمام مشكلات هذا الطريق، أو واجب وزارة الصحة، أو حتى دور سالكيه أمام طريق مختصر مليء بالمفاجآت.

ومع أن الصحف كتبت كثيرا عن هذا الطريق كما نقلت القنوات أخبار حوادثه وكوارثه، ولكن لا حياة لمن تنادي، لكنني لم أقرأ أو أسمع أن جهة ما تحركت وأجرت دراسة ميدانية عن هذا الخط الحيوي وحجم كوارثه، أو عن طرق أخرى تعيش نفس مأساته، فالقضية أولا وأخيرا نزيف مستمر، ضحاياه زهرة شبابنا بالوفاة أو الإعاقة، وهي خسائر لا نعرف من يتحمل مسؤوليتها أمام ربه ووطنه وضميره وواجبه.