في اليومين الماضيين هب المجتمع بكل ترسانته الإلكترونية عبر مواقع التواصل بتداول مقطع لامرأة تتوسل إلى رجل في مكتبة قرطاسية، وكل ما يدور في هذا المقطع هو صوت المرأة وثلاثة من الرجال أحدهما يصور والآخر أصدر الحكم عليها، والثالث يعلق ويشعل فتيل الموقف مرددا «صورها إنها ساحرة»! لتنطلق بعدها تلك الحادثة وتصبح ألف حية تسعى في كل مواقع التواصل الاجتماعي، كل هذا حدث في دقائق معدودة، حيث أصبحت المرأة ساحرة! وأُصدر الحكم وشارك الجميع في اللعن والتهويل! ونشرت الصحف الإلكترونية الصفراء الخبر تحت ذات العنوان المفزع «ساحرة الرياض»! فقط من توقف ليطرح الأسئلة حول حادثة عابرة لامرأة يتنمر عليها رجل ويدعي أنها ساحرة لمجرد أنه لم يفهم ما تحتوي عليه الأوراق التي أرادت تصويرها في مكتبته.

الأمر هنا يندرج تحت إلحاق الضرر بالمرأة، وهذه الحادثة بالتأكيد مست كيان أسرة بأكملها، كما أنها من الجرائم التي يعاقب عليها النظام، وهي تصوير شخص والتشهير به، ولنقس عليه مواقف كثيرة مشابهة، حيث يعطي أحدهم الحق لنفسه أن يصور ويطلق الأحكام والتشهير، مما يندرج تحت جرائم التشهير الإلكتروني، ومن المنصف والعدل أن ينال المشهر عقابه حسب النظام المتبع في المملكة لما أحدثه من ضرر وتعدٍّ على حياتها والنيل من سمعتها بغير مسوغ قانوني، كما أن التصوير ليس دليلا قاطعا على ثبوت الاتهام بشكل من الأشكال. والتشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعاقب عليها النظام بالسجن وبغرامة تصل إلى 500 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل شخص يرتكب ذلك حسب قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية. المدهش في هذه الحادثة هو جاهزية أغلب المجتمع لاستقبال الحكم على الآخرين دون أية مبادرة للتعامل مع احتمالات الخطأ والتضليل، ولهذا كثيرون يحكمون على غيرهم من الناس بدون معرفة حقيقية، ويتبرعون بالحكم الجائر ويصعدونه وينشرونه.

إن حادثة الاعتداء على المرأة التي أطلق عليها «ساحرة الرياض» هو تشهير صريح، فيما اتضح بعد ذلك أنها مجرد أوراق فيها صور لرموز ليس لها علاقة لا بالسحر، لا من قريب ولا من بعيد، ولكن لجهل الرجال الثلاثة بهذه الرموز جعلهم يهاجمونها ويتهمونها بالسحر، وهذه الحالة من الجهل والغباء البشري تحدث حين يجهل الإنسان ما لا يفهمه، فلا يجد له تفسيرا إلا بوصفه بالسحر. حدث هذا حين أنكر العرب على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ما جاء به وقالوا «إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ». وهكذا يستمر جهل البشر في وسم كل ما لا يعرفونه ولا يفهمونه بأنه سحر مبين. وقد حدثت قصة من هذا النوع تستحق التأمل، «يقال إن جماعة في الجزيرة العربية في زمن سابق وجدوا شخصا من باكستان وكان يحمل معه بوصلة لتحديد الاتجاه وأوراقا فيها كتابة لا يمكن قراءتها، تبين فيما بعد أنها أذكار مكتوبة بلغة الأوردو، فاستقر لدى أصحاب الرأي أنه ساحر يحمل طلاسم ويحمل شيئا يتغير اتجاهه (البوصلة)، فعرض على المختصين فعاقبوه »، ويأتي الشاهد هنا حول حادثة مثل هذه بأنه ينبغي أن نضع في تصورنا أن كل ما ينقله لنا الآخرون لا بد أنهم ضمنوه مواقفهم الشخصية، وعليه فإن معايير الحكم على الآخر تختلف حسب وعيه وقيمه، وإسقاط الأحكام الشخصية المجردة على الآخر هو معيار غير منطقي.

إن الجاهزية في الحكم والإدانة أشد أنواع الظلم. وتحرير العقل من سطوة وقوة العقل الشعبي المتحرك غير الواعي، هو أول خطوة على طريق التصحيح. فلا تأخذك موجة مشاهدات ومواقف الآخرين، فالجموع قوة تمتلك معايير تسير بتلقائية غير واعية.