أظن أن «سحر» هو أكثر فعل مربك، فإن من البيان لسحرا؛ توحي بأن الكلام الجميل يفعل فعل السحر، والسحر هنا جمال البيان والإيضاح أو ما سمي لاحقا بالبلاغة. والسحر فقهيا يُعرَّف بأن منه صرفا وعطفا! الصرف عن أمر كان مرغوبا، والعطف لما لم يكن كذلك! وللسحر ارتباط بالمغيبات التي لا يعرف الإنسان كنهها حتى لو تعامل معها، وقد يتواصل معها بحلم أو رؤيا أو حتى اتصال هاتفي من دولة لا يعرفه فيها أحد إلا المتصل الذي اختاره ليكون ضحية!
دعونا من كل ما سبق ولنتأمل كيفية تعامل المجتمع مع فكرة وجود ساحرة دخيلة على المجتمع تحاول تدميره، ومن ثم القبض عليها بالجرم المشهود وهي تحمل الطلاسم الخاصة بها في الفلاش ميموري!
أولا أثمن للذين دافعوا عن المرأة ورفضوا تصويرها، وكانوا ضد نشر المقطع وتداوله، ومنهم المحامي الأستاذ عبدالرحمن اللاحم، والذي بين أن اتهام إنسان بجريمة كالسحر وتصويره لا يتم جزافا دون محاكمة وفصل، مشكورا في الموضوع هو وغيره.
الأمر الآخر لا يخص وجود أو عدم وجود الساحرة أو عقابها أو إفلاتها من العقاب، أو زواجها أو طلاقها، الأمر الأهم هو الاحتفاء الشديد بتناقل المقطع ونشره والتعليق المؤيد له، وهذا يكشف كمية الخوف من السحر والساحرات تحديدا من جهة، ورغبة في فضح هذا العالم من جهة أخرى.
مقدمة بدأ بها كل من أراد النظر لأمر بعقلانية قائلا: إنه لا ينفي وجود السحر، وذلك لأن السحر مذكور في القرآن، ولا شك أننا هنا نتوقف؛ لكن القضية الأهم هي ما الذي جعله شغلنا الشاغل؟ وكيف رسخت عندنا قضية، هي نسبة كثير من مشاكلنا الحياتية التي فشلنا بها إلى سحر وقع وأثر فينا؟ عبرت صديقة راحلة ـ رحمها الله ـ عن أننا «نرمي حمولنا على السحر»، أي كلما فشلنا في أمر قلنا إنه بسبب السحر! بدلا من مواجهة الحقائق والمعطيات. فزواج فشل بسبب عدم توافق الزوجين لا ذنب للسحر فيه، فلا السحر يجعل الزوج السلبي فاعلا في الزواج، ولا السحر يحول المرأة المزعجة إلى زوجة ودود! أين الحل في الموضوع؟
من البديهي أن العلم يزيل ما ينسبه الجهل إلى الخرافات، كما أن الضوء يزيل أوهام الظلام، هذا هو الأمر ببساطة، فلن تدخل مكتبة وتحصل على مراجع لبحث بواسطة السحر، ولم يستطع كاهن أن يصل إلى نسبة نجاح الأشعة التي تحدد جنس الجنين، ولم يجد مشعوذ حلولا للتخلص من المواد المشعة أو حتى النفايات البلاستيكية أو صرفها إلى كواكب أخرى! ولن نبحث عن مخرج لظاهرة نفوق الأسماك عند عالم روحاني! ما أكثر ما ابتلينا بفكرة جلب الحبيب وتزويج العانس والمطلقة والأرملة، وهي اليوم تحتل حسابات على مواقع التواصل؛ هل هو الخوف الذي روج سوقها أم أن الجهلة أصبحوا قادرين على التواصل؟! من الذي زرع فينا كل هذا التوجس من امرأة تحمل طلسما لم نفهمه؟ هل تعرضنا لمواقف مشابهة أدت إلى الأذى ولم نجد حلا لها؟ الواقع أن من يلجأ إلى مثل هذه الأمور الجهلة بالدرجة الأولى الذين يبحثون عن أسرع الحلول، والمؤسف أنها تجارة زبائنها بالدرجة الأولى من النساء.
إن كان الإنسان البدائي يضع تميمة على الصغار ليعوذهم، فاليوم العناية الصحية تفي بهذا الغرض، وإن كانت هناك مشاكل عائلية أو وظيفية فهناك مختصون في كل مجال، يقدمون المشورة والنصح بمقابل وبدون مقابل.
لا يمكنكم تخيل كم هو مؤلم أن نحول حياتنا إلى البحث عن سبب غيبي لمرض عضوي معروف، أو نقبل بخلطات أو علاجات لا ضوابط لها قد تودي بحياتنا ونحن نعيش في حياتنا عكس كل ما هو صحي وسليم.
أذكر امرأة اتصلت تستفتي عن سحر صنعته لزوجها أودى بحياته، فتحول الشيخ الرصين بعد بيان الحكم عن لومها، إلى لوم الرجال الذين تسببوا في لجوء زوجاتهم إلى السحر لعجزهن عن التفاهم معهم. وكانت لفتة لطيفة من الشيخ.
أخيرا عزيزي الزوج قل لزوجتك أنت ساحرة بكل ما تقدمينه لي ولحياتنا من جهد أراه وأقدره حتى تدوم المودة، وأنت كذلك قوليها، وبهذا يبطل الخوف من السحر نهائيا لو طبقنا هذا المبدأ على حياتنا.