كانت الشمس ترسل آخر أشعتها الصفراء الباهتة وهي تحتجب بنصف دائرة فوق الجبل الصخري الأسود من غرب القرية. يوم ثان من بدء رمضان يوشك على الرحيل. عادت هدباء من البئر بأقل من نصف قربة من الماء الممزوج بحثل التراب. آخر غيمة هبطت إلى الأرض كانت «رجباً» قبل عام وشهرين. بدأ سكان القرية يوماً بعد يوم يثقون في رواية مشري وهو يقول إنه شاهد نجم «أبوذيل» واضحا في كبد السماء قبل الفجر بعد آخر غيمة. هو دلالة قحط وفقر ومرض وسوء طالع، يظهر في السماء مرة كل ربع قرن. قبل ما يقرب الشهرين، كان أهل القرية يتهامسون سراً أن أسرة غباش بلغت بها الجرأة تحت وطأة
الجوع أن تأكل لحم شاة نافقة سبق وأن رمتها في ذلك اليوم فوق الجرف الصخري في شرق القرية. سرت الإشاعة كالهشيم. بعضهم يقول إن غباش تسلل قبل نصف الليل إلى الجرف واقتطع من الشاة النافقة ما تيسر له. بعضهم يقول إنه لم يلاحظ قطرة دم واحدة على ثوب غباش الوحيد الذي لم يغيره من ثلاث سنوات. ظلت الحكاية تلوكها القرية لشهر، وكل فرد من أهلها يكاد أن يفر حتى من ملامسة بنات غباش الخمس لأنهن أكلن «الحرمة» ولكن بلا دليل. حتى ثوب غباش لا يحمل تهمة من شاة هزيلة نافقة كانت فوق الجرف بلا دم. كان الموت في كل مكان. يمسي القروي منهم على ثمان من الغنم وعند الصبح يسحب للجرف واحدة او اثنتين. حتى الأفاعي كانت تخرج في أزقة القرية ظامئة وأيضاً هامدة.
كان رمضان يقترب من القرية. في أسبوع شعبان الأخير، لاحظ غباش أن أحداً من أهل القرية لم يكن ليسحب شاة نافقة على الإطلاق، ولكنه لا يجرؤ أن يذهب مرة أخرى إلى الجرف الشرقي ليتأكد. لا يريد أن يفعلها مرة أخرى لتثبت عليه وعلى بناته لقب «آكلة الحرمة». خرج مع ظلام العشاء الدامس يذرع كل شيء ليأكل أي شيء. كان يفكر حتى بطبخ الثعبان الضخم الذي قتله مهدي وعلقه على جذع شارد من شجرة «التالتة». فجأة شم غباش كل شيء في قرية يموت فيها كل شيء إلا حاسة الشم. كان يشم رائحة المرق النتن أينما ذهب. لم يعد أحد يسحب شاته الميتة إلى الجرف الشرقي. فجأة يجد مهدي أمامه: أعطونا ولو بقايا العظام.