يكمن في الجاهل العادي فرصة قاتل واحد، يكمن في العالم قاتلان. أما القتلة جميعا فهم يتزاحمون بالمناكب والأقدام، وبكل ذخيرتهم في صنف شائع، في أنصاف المتعلمين.

الجاهل البسيط يذهب للسجن لأنه ربما قتل جاره أو قريبه أو غريبا في الشارع، لسبب تافه في الغالب، مثل مشاجرة في محل رخيص على سلعة، أو نزاع على شبرين من أرض جرداء في البرية، وما إلى ذلك مما ينتهي بالكلام الطائش ثم الدماء. قبل مدة نشرت الصحف خلافا بين صديقين، تطور في لحظة شؤم، وأخيرا أحدهما سقط جثة هامدة، والآخر اقتيد إلى ساحة القصاص.

أما العالم، الذي يكمن فيه قاتلان، فهو أيضا مثل كل البشر، يحدث أن تغلبه نزعة مريضة، وهذه نادرة جدا، لأن المعرفة بطبيعتها تهذب وحوشنا الداخلية. الكارثة كل الكارثة حين يستعمل علمه ومعرفته كأداة للجريمة أو لتسويغها، سيقتل عشرات الآلاف، وهذه أيضا نادرة، لكنها تحدث. إن رأيا واحدا مثلا، وعلى امتداد أزمنته، ذهب ضحيته قرابة المليون، وفاعليته في عصرنا هذا أكثر رواجا، لا سيما أن الشجاع والجبان صارا متساويين منذ

وجد المسدس، كما قال صموئيل كولت، مخترعه.

بالنسبة لأنصاف المتعلمين فهم السفاحون الأكثر انتشارا، إنهم الذين يملؤون الأردية الأنيقة والألقاب هنا وهناك، مهما علا شأنها، وتصطف قبل أسمائهم أبهة الصفات الطويلة، هؤلاء ستراهم في المكاتب الفخمة، محليا ودوليا، ستسمع آخرين منهم في منابر الكيد والدعاء الخاشع، وكثير منهم يتجولون من ناصية لأخرى في الأهمية، بين الوزارات وأقسام الجامعات، بحناجر متضخمة وخيلاء متشابهة، أما أكثرهم دموية في هذا الزمن فستراهم كيف يتكاثرون بإفراط في شاشات التلفزيون والموبايل ومعرّفات التواصل.

هؤلاء هم من يصنعون الغموض، الذين يصدقهم العامة، مغمضو العينين، أصحاب النجوميات الضاربة، أبطال الرأي العام، الذين لا يفعلون شيئا سوى توسيع رقعة الفراغ والعماء، ثم ملئها بالأحقاد والضغائن. هؤلاء هم من يوزع السكاكين على الناس وبشكل دؤوب يحثونهم على افتراس بعضهم، من يصممون الجنائز بأقل وأسهل كلفة، من يشبون الحرائق في كل صغيرة وكبيرة، من يصنعون مجدهم من هدر أرواحنا وحقوقنا ومستقبلنا، وهم بلا أدنى حياء يحلفون بالله والوطنية.