منذ اليوم الأول لصدور لائحة الأندية الأدبية وهي مثار جدل بين شريحة عريضة من الأدباء والمثقفين في المملكة حول كثير من نصوصها. ولعل أكثر النصوص إثارة للجدل تلك التي تتناول العضويات في الأندية الأدبية، أو الانتخابات وإجراءاتها، أو الجوانب المالية، والعلاقة بين الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة، مما دفع المعنيين في وزارة الثقافة إلى تعديلها مراراً.

هذه التعديلات لم تحقق أهدافها المرجوة، وظل الصخب حول اللائحة مستمراً حتى إنه استخدم ذريعة في بعض الأندية لتجاهل اللائحة وعدم احترام نصوصها أحيانا، وتحت نظر المعنيين في الوزارة.

التعديلات كلها لم تكن ذات فائدة، هناك مشكلة مازالت قائمة في هذا الجانب، وخلل في إجراءات وآليات التعديل التي تمت على اللائحة لا يقل عن القصور الذي تتهم به نصوصها، وأن اللجان التي كانت تتشكل لذلك الغرض لم تنجح في إرضاء شريحة واسعة من المعنيين بالأندية الأدبية والمنتمين إلى جمعياتها، وقد يكون مرد ذلك الأمر إلى قلة خبرة اللجان في الأنظمة واللوائح ومقتضيات النصوص القانونية. من الضروري الآن الاستفادة من التجارب السابقة والعمل على تغيير الآليات لتتغير النتائج، فعمل الأشياء بنفس الطريقة الخاطئة لن يحقق الأهداف المرجوة. وهنا يجب أن نذكر أن بعض من شاركوا في لجان تعديل اللوائح صرحوا علنا بأن اللوائح عند اعتمادها وصدورها تكون مختلفة كثيرا عما اتفقوا عليه!.

السنوات الخمس الماضية تميزت بالخلافات بين إدارات الأندية وجمعياتها من ناحية وبين هؤلاء وبين الوزارة، ووصلت إلى المحاكم وصدرت في بعضها أحكام، في جازان كنت ثالث ثلاثة رفعوا قضية إلى المحكمة الإدارية ضد الوزارة استمرت ثلاث سنوات وأكثر من عشر جلسات، حتى مللنا منها وتركناها حتى اليوم!.

الخلافات على مسارين؛ الأول سببه اللائحة وعدم تطبيقها، والثاني فكرة الانتخابات ذاتها. فاللائحة تنص على اعتبار الأندية ذات شخصية اعتبارية مستقلة ماليا وإداريا، ولم يكن هذا على أرض الواقع صحيحا، فاللائحة وزعت الشأن المالي بطريقتها، لدرجة أن النادي لو بعث عضوا إلى جهة ما أربع ليال واضطر إلى إضافة الخامسة فلا بد من إذن من الوزارة!. كما أن اللائحة وزعت المعونة السنوية مكافآت على أعضاء المجلس ورواتب الموظفين ومصروفات التشغيل والصيانة حتى لم يبقَ للفعاليات الثقافية سوى مبلغ زهيد، أما إداريا ففي الأسبوع الأول لنتائج الانتخابات أرسلت وكالة الوزارة خطابا يلزم الأندية بالتنسيق معها قبل كل فعالية. وبعض إمارات المناطق تطلب مسبقا من إدارات الأندية موافاتها بأسماء المدعوين لأي فعالية، الأمر الذي يصبح معه اعتماد الجمعية لبرامج النادي غير ذي معنى، وقد حدث أن ألغيت فعاليات قبل إقامتها بساعات.

أما على مسار فكرة الانتخابات فقد حدث تلاعب ليس في شروط العضوية فحسب، بل في نتائج الانتخابات ذاتها، والسبب هو أن اللائحة تمنح اللجنة المشرفة على الانتخابات الحق في أن تكون الانتخابات ورقية أو إلكترونية، وقد اختارت اللجنة أن تكون إلكترونية وكان ما كان.

إن فكرة الانتخابات ذاتها يجب معالجتها بشكل قانوني واضح بمعزل عن الشأن الأدبي، فهي ليست نشاطا أدبيا. إضافة إلى الرضا بنتائج الانتخابات واعتبار كل عضو مواطنا صالحا محل ثقة حتى يثبت العكس، حدث أن ترشحت أسماء وحصلت على أصوات كافية لدخول المجلس، لكن تم استبعادها بطريقة أو بأخرى أثناء فرز النتائج، وهذه تهمة تكررت كثيرا، ولم تستطع الوزارة نفيها، أما اللائحة الحالية فهي تنص على حق الوزارة في استبعاد أي اسم مرشح دون إبداء الأسباب، وهذا ضد فكرة الانتخابات تماما.

يصعب تعريف الأدب ويصعب تعريف الثقافة، ولهذا بالتأكيد يصعب وضع لائحة تضبط وتقنن ما ليس بمضبوط ولا مقنن، ولا بد من إيجاد طريقة تضمن قوة اللائحة والعمل بموجبها دون أي تدخل من أي جهة، وهذا لن يكون إلا بمنح الثقة للجميع واعتبارهم مواطنين مخلصين حتى يثبت العكس، فأي تدخل في برامج الأندية هو إلغاء لفكرة الانتخابات ولنصوص اللائحة على استقلال الأندية ماليا وإداريا.

أخيرا، كنا نتوقع أن تطوى صفحة الأندية الأدبية بوجود هيئة الثقافة، لكن يبدو أن الأندية ستستمر محنطة حتى إشعار آخر.