قرأ سيرة حياتها الكاملة. ومشى خلفها آلاف الأيام وملايين الكيلومترات، ووقف أمام منزلها عشرات الأيام. وصعد مقصورتها على قدميه، وقبَّل جبينها عشرات المرات، وقدم لها المصوغات الذهبية وخواتم الألماس لتزداد جمالاً وبهاء، وأنشد في حبها عشرات القصائد، والتزم بإقامة الفرح الأسطوري المناسب لمقامها واستضافة مئات الألوف من ضيوفها في الفنادق الراقية، بينما منافسه الكاوبوي الأمريكي كان يقف بعيداً عنها في حلبة المصارعة يستعرض عضلاته أمامها، ويطلب منها المجيء صاغرة لتقبل قدميه وتقدم له خلاخيلها عربوناً لرضاه عنها.. ولهذا كله كان من الطبيعي أن تمنح عروس نهائيات عام 2022 الجميلة قلبها لعاشقها الجنتلمان القطري، وترفع يدها للكاوبوي الأمريكي وتقول له على طريقة البنات النجديات في الأزمان السالفة.. كش.. مالت عليك.
طربت كثيراً وأنا أرى رئيس الفيفا السيد بلاتر يرفع الظرف المغلق ويخرج ورقة الفائز بتنظيم نهائيات كأس العالم عام 2022 ثم تبرز "قطر" كبيرة على الصفحة فتضج القاعة بالتصفيق وتنهض العائلة القطرية كلها بمن فيهم أميرها وقرينته والآخرون ليباركوا بكل حرارة للجنتلمان الشاب الذي فاز بقلب العروس، وكان طربي طربين إذ إن رئيس الفيفا السيد بلاتر قبل ذلك كان قد أطربني بكلماته الرائعة التي قدم بها للمشاهدين درساً عن رسالة كرة القدم أو على الأصح مدرستها التي تعلم الود والتسامح والتنافس الحر والتواضع عند الفوز والابتسام عند الهزيمة وغيرها من السلوكيات الجميلة التي نعبّر عنها بـ(الروح الرياضية) وقد ذكرني السيد بلاتر وهو يتغنى بفضائل كرة القدم بالعبارة الجميلة التي قالها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد عندما استقبل أعضاء الفريق السعودي لكرة القدم وهم يزورونه بعد إحدى المناسبات الآسيوية التي فزنا بها فقد قال بعد أن رحب بهم: "أهلاً بعشاق التآلف".
والخميس الماضي رأينا كيف أن الاقتناع بالفكرة والاستعداد لها والعمل الدؤوب من أجلها يصنع الفرح الكبير على الوجوه والشفاه، ورأينا ما معنى (العكس بالعكس) التي نكررها دائماً، فقد رأينا خيبة الأمل الكبيرة على وجوه الأمريكيين الذين كانوا يرقبون إعلان النتيجة في الصالات التي خصصت لذلك، أما التعجب والدهشة فرأيناهما على وجوه اليابانيين الذين كانوا ربما وهم يرقبون إعلان النتائج في الصالات المخصصة لذلك في طوكيو لا يتوقعون ولا بنسبة 1% أن تختار اللجنة قطر وتترك اليابان وقد تجلت الدهشة والعجب في ذلك الضحك الاستخفافي والقهقهة اللافتة، طبعاً ضحكوا وقهقهوا لأنهم قارنوا بين حجم قطر على الخريطة وإمكاناتها على الساحة الدولية وحجم اليابان والولايات المتحدة وإمكاناتهما، لكنهم لم يأخذوا في الاعتبار أن الفوز بقلوب العرائس لا يتوقف على حجم العضلات وإنما على دفء القلوب والاستعداد للتضحية.
ثلاثة أمور دارت بذهني وأنا أرقب ذلك الفرح الكبير وأطرب له مع الطاربين.. الأول ملاحظة صغيرة عكرت صفو طربي لحظة الإعلان عن الفوز فقد هب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم واقفاً مثل كل أفراد الوفد القطري، وكاد يمد يديه يبحث عمن يحتضنه لكنه لم يجد أحداً فالآخرون تحلقوا حول بعضهم يتبادلون الأحضان وتركوا الشيخ حمد واقفاً يبحث عن الصدر الحنون ليطفئ فيه لهيب عاطفته المتأججة في تلك اللحظة الملتهبة فلا يجده، وظل هكذا محرجاً يتلفت ويبتسم ويتفرج على المتحلقين الذين يتبادلون الأحضان مع بعضهم ليبدو وكأنه ليس من هذا البعض أو ربما أن الكاميرا حجبت عني بقية المشهد.
والأمر الثاني أني وجدت أن أعضاء الفيفا متفائلون بمستقبل منطقتنا إلى ذلك الحد الذي جعلهم يركنون ويسندون المهمة لنا في الخليج (الهادر) ليس الآن ولكن بعد أحد عشر عاماً مما يعطي الانطباع أننا أو على الأصح قطر ليست ـ في رأيهم ـ ريشة في مهب تلك العواصف العاتية على الخليج كما يقول الكثيرون، ولذلك فلا بد أن أشعر بالامتنان لهم وأشكرهم وأقول (طمنتونا الله يطمنكم).
والأمر الثالث الذي لفت نظري وأنا أطرب مع الطاربين فداحة الثمن الذي سيقدمه الجنتلمان لعروسه، ذلك أنه سيقيم لها العديد من الملاعب على أحدث طراز والعديد من الفنادق الفاخرة التي تتسع لكل الحضور، وسيعد الكثير من المرافق التي تتطلبها المناسبة، وفداحة الثمن الذي أقصد أن كل هذا سيكون في مدينة واحدة، وأن العروس ستقيم أياماً معدودة في الدوحة ثم ترحل هي وضيوفها فماذا سيعمل جنتلمان الدوحة بكل الملاعب والفنادق والمرافق بعد أن يكون قد صرف عليها كل ماصُرف؟ أم أن هناك خططاً أخرى لذلك الثلاثي القطري الناجح (الأمير وعقيلته ورئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية)، ومعهم جنتلمان الرياضة ستحوِّل المرافق بعد الرحيل إلى عامل قوة لقطر مثلما فعلوا في "الجزيرة" بكل قنواتها؟ أرجو ذلك.