منذ اللحظة الأولى، قبل أكثر من عامين، لاندلاع الحرب على الحوثيين في اليمن، صعد هتاف حماسي من كل صوب، كان يصعب معه تمييز صوت آخر، البعض كان يدسّ في نشوة المدرّج عنفا وعنصرية جليين، رافق هذا الهتاف لغة جانبية، تستعمل مظلة الوطن ومحك المصير، فيوصف، من تؤلمه الحرب، بالتخوين والتشكيك، وهكذا كانت تتوارى أية فرصة لإبداء تحليل أو حل حينها. انساقت أسماء كلمتها مهمة، وكثير من حسابات مواقع التواصل، في هذا النوع من الهتاف والخطاب. كان بعض الكتاب يضطرون لتسويغ آرائهم بترديد احتراز واحد؛ الرأي ليس خيانة. شخصيا كتبت مقالة بهذا العنوان، وبالطبع حظيت كما غيري، بأقذع المسبات، تلك التي تبدأ بإخراجك من الشرف، ولا تنتهي بإخراجك من الوطن. لم يكن سهلاً القول بأنه ما من عاقل يريد الحرب، ولا استمرارها، لكن ما دامت قد وقعت، فلا يجب أن نسمح لأي صوت يحاول تعبئة الضمير العام بوصفها حربا دينية أو طائفية.

هذه الأيام وفي أزمة قطع العلاقات مع قطر، تأخذ عدائية الهتاف ولغتها الموازية شكلاً آخر في تفاعلها، بداخل مجتمعنا نفسه، دائرته محدودة نعم، لكنها أشد خطورة وأعلى حدة. يبدو واضحا أن هناك رغبة في إدانة ذوي الولاءات الأيدلوجية تجاه قطر، وتحميلهم تاريخا من الإثم، بكل ما تهيأ لهم في الدوحة من قدرية الموقع، ووفرة الفرص والظروف والمال والإعلام، وربما الرغبات السياسية المشتركة.

الإسلاميون بدورهم، حتى وهم بهذا الوضع الحرج، ما كانوا ليفوتوا الفرصة، فقد قاموا مثلا بعمليات تزوير لخطابات وتوقيعات وأختام وشيكات قطرية، هدفها تسميم الذهن الشعبي، وضرب مطالبات راهنة، تتعلق بالمرأة تحديدا، وبنفس أسلوبهم الصحوي، كالتلفيقات التي طالت سيدات مثل نادين البدير ولجين الهذلول وعزيزة اليوسف.. الخ.

وفي أزمة المقاطعة أيضا، وبعيدا عن الحملات الإعلامية، المتبادلة من مؤسسات في البلدين، فإنه توجد من الناحية السعودية -محل اطلاعي- مقالات وقراءات، اتفقت معها أو لم تتفق، فهي على الأقل، تأخذ طابع التحليل ومحاولة الفهم، لا الانفعال والتأزيم، أشير هنا لأربع مقالات؛ خالد الدخيل «ظاهرة الدور القطري» بجريدة الحياة، وخالد البري «الخطوة الأخيرة قبل المواجهة» في مدونته، وعبدالرحمن الراشد «لحل أزمة قطر خياران» في الشرق الأوسط، ومقالة ممدوح المهيني «النزاع الإخواني السروري في قطر» في العربية نت.

أخيرا، تنبت في الجزيرة العربية، بحضرموت اليمن، شجرة اسمها «دم الأخوين»، لا توجد بأي مكان في العالم إلا في جزيرة سقطرى، تقول الأسطورة إنها خرجت أول مرة محل اقتتال قابيل وهابيل، ونمت من ذلك الدم القديم، فعساها لا تنبت في أماكن أخرى. وليبق ما على طاولة السياسة، على طاولة السياسة.