وجدت تطبيقات التنقل على الهواتف الذكية كأحد البدائل والحلول المؤقتة لمعالجة مشكلتنا الأزلية مع قيادة المرأة للسيارة، لتنهي بذلك -ولو قليلا- بعض مشاكل المرأة السعودية والمقيمة هنا في التنقل وقضاء مستلزماتها وحاجاتها اليومية عبر طلبها على الأجهزة الذكية.

في بداية انتشار هذه التطبيقات لم تكن سعودتها قد سيطرت عليها بالكامل، لهذا لم تواجه النساء السعوديات

صعوبة كبيرة أو مشاكل جمة في طلبها وقضاء حاجاتهن فيها، ذلك أنه حينما تقوم المرأة بطلب السيارة ويتبين

لها أن الكابتن سعودي، تلغي الطلب حتى تجد قائدا آخر غير سعودي ثم تطلبه، حيث إن مجتمعها وولي أمرها -المحرم- يرفض أن تذهب في سيارة مع رجل سعودي آخر قد يكون من أصدقاء العمل أو الاستراحة أو

أحد أفراد الحي أو مجمعه السكني، وبعد أن تمت سعودتها بالكامل ازداد الأمر سوءا، وأصبحت غالبية نساء المجتمع السعودي لا يستفدن من هذه التطبيقات، وتكمن فائدتها فقط في اللجوء لها سراً في غياب ولي الأمر

أو المحرم دون علمه، لأنه لو عرف ذلك لمنعها، ولن يقضي هو حاجاتها لانشغاله بمتابعة مباراة فريقه المفضل

في الاستراحة.

ولكي لا يكون ذلك حكما انطباعيا أو شخصيا قمت بإجراء استطلاع رأي لطرفي الموضوع يمثلون النهاية الطرفية لاستخدام تطبيقات المواصلات، وهما شركتان تتنافسان حديثا في السعودية أوبر وكريم، الطرف الأول هو الطرف المستفيد، وغالبا هن النساء اللاتي لا يقدن السيارة بطبيعة الحال، ويجدن صعوبة في أن يقوم أولياء أمورهن الشرعيين أبا كان أو أخا أو ابنا بالموافقة على توصيلهن لمشاويرهن التي يحتجنها، وقد لا يمتلكون السيارة أصلا، والطرف الثاني رأي أولياء الأمور هؤلاء في استخدام ولاياهم (حسب الاستعمال اللغوي للكلمة) لتطبيقات السيارات بشكل عام دون الدخول في تفاصيل الوقت المتاح، وتوفر السيارة أو الرغبة في التوصيل من عدمها.

كان السؤال الموجه للأنثى السعودية هو: هل تواجهين صعوبة من ولي أمرك أو إخوتك من التنقل في تطبيقات التوصيل الحديثة أوبر وكريم؟ وكانت النتائج متوقعة، حيث بلغت نسبة اللاتي يواجهن الصعوبات 65%، منهن 43% يواجهن الصعوبات فعلا، و22% يعلمن أنهن إذا أخبرن أولياء أمورهن سيواجهن الرفض، وبلغت نسبة اللائي لا يواجهن صعوبات 35%.

وفي المقابل كان السؤال الموجه للرجل السعودي هو: هل تمنع قريبتك من التنقل في مشاويرها عبر تطبيقات التواصل الحديثة أوبر وكريم؟ وكانت الإجابة أن نسبة الرجال الموافقين على المنع تبلغ 41% مقابل 59% قالوا لا، مع العلم أن هناك هامش انحراف إحصائي يحسب للذين هم مقتنعون بالمنع، ولكنهم يجيبون بنعم حتى لا يظهروا أمام الآخرين ممانعين أو متشددين.

وما زال بعض الرجال لدينا يحمل تشوهات وآثار الفكر الذكوري الشرقي، الذي بدوره صور لهم هذه التطبيقات بمنافعها شرا ورذيلة على المرأة، وجعلته لا يثق في رشد أهله وذويه، ومهما وصلت من العمر تبقى ناقصة عقل في نظره ولا يمكنها الذهاب عبرها في قضاء مشاويرها، بالإضافة إلى ما يتداوله سائقو المركبات عبر هذه التطبيقات من قصص ناتجة عن شعور بانعدام الثقة بالنفس وادعاء تحرشات بهن خيالية ليس لها من الصحة شيء، محاولة إبراز شخصياتهم واصطناع قصص كاذبة لممارسات وسلوكيات من مستخدمات هذه التطبيقات لا تليق بالأنثى السعودية، وهذا ما زاد الطين بلة. المشكلة ليست مع سعودة هذه التطبيقات، بل إن سعودتها تعزز إطار حوكمة تحقيق رؤية المملكة 2030 من رفع خططها التنموية الاقتصادية في دعم الشباب السعودي والمشاريع التي تعمل على خلق فرص وظيفية مناسبة للشباب السعودي.

كما أن هذه التطبيقات هي أكثر أمانا من سائقي التاكسي، وبإمكان طالبها تتبع مسار المركبة ومعرفة مواصفات قائدها وبياناته وجميع معلومات السيارة والرقم، وبهذا يستطيع الراكب التبليغ عن الإساءة ومعاقبة هذا السائق وإبعاده عن التطبيق نهائياً.

الأمر الآخر أن هناك شروطا لابد من توفرها في المتقدم حتى يسمح له بالتسجيل في البرنامج، بالإضافة إلى ربط أرقام السيارات وأرقام أصحابها ومراقبة وتتبع قائدي وكباتن الرحلات. ولا شيء يستدعي الخوف والقلق والمزيد من التضييق على المرأة.

حين يحرم المجتمع المرأة من حقها في قيادتها السيارة، ثم يمنعها أيضاً من البدائل البسيطة لهذا الحق، فهو تسلط وتحكم ما أنزل الله به من سلطان، لما فيه من شك وسوء ظن مسبق بأهله قبل المجتمع.

وفي هذا الشأن مهما حاولنا تنوير العقول، ومعالجة آثار ترسبات الأفكار المتحجرة واستئصالها، لا يمكن ذلك إلا بتوعية المجتمع مراراً وتكراراً، لمساعدة هؤلاء النسوة في خلاصهم من هذه العقدة، ومساعدتهم في إنجاز أمورهن بالشكل الآمن والسليم لهن ولمجتمعهن. وتوضيح أن هناك دون شك أخطاء تعالج كل حالة بحالتها دون تعميم، ومع الوقت تنتظم الأمور بالمراقبة والمتابعة والحساب، دون أن نوصد الباب تسلطا ذكوريا دون التفكير في البدائل.