في منتصف 2002، كنت برفقة أصدقاء في زيارة لصنعاء. ومن أثمن الأشياء التي حدثت في تلك الرحلة، أني التقيت أشخاصا، قد يقضي المرء عمره دون أن يحصل على فرصة رؤيتهم: عبدالعزيز المقالح، وأدونيس،

ومحمود درويش، وشخص رابع لن أذكر اسمه، لأني لم أجد طريقة لاستئذانه فيما يخصه في هذه المقالة، وهو اسمٌ مهم، وأديب ومترجم كهل، ومفكر من الطراز الثقيل، والرجل حيٌّ يرزق.

أغلب الأحاديث والحوارات تبدأ وتنتهي بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لم تكن صدمتها قد بردت، والعالم من نواحيه لم يستوعبها بعد. أميركا هجمت فورا على صنيعتها «طالبان»، فأسقطتها وشردت زعاماتها في كهوف الجبال.

سألت المفكر الكهل، مطولا عن أشياء كثيرة، على رأسها عواقب هذه اللحظة المجنونة من التاريخ، ومنذ خمسة عشر عاما، إلى يومنا هذا، أتذكر بانبهار، ومع كل مرحلة، كيف استشرف الأحداث. تأملوا كيف قرأ الحتم التاريخي. شرح؛ ستعبث أميركا بالمشرق العربي بطريقتين: الأولى، عبر تدخل عسكري سريع، وسيكون إما في السعودية، وهذا مستبعد، أو في العراق «كان واضحا حينها، عبر الترويج لقصة أسلحة الدمار الشامل الملفقة، أن احتلال العراق على وشك الوقوع». حدث الغزو بالفعل في مارس 2003.

الطريقة الأخرى طويلة الأمد، ولن يستثنى منها أحد. «في 2005 ومع بدء الولاية الثانية لبوش الابن، أعلنت

وزيرة الخارجية الأميركية، كوندليزا رايس، عن مشروع الفوضى الخلاقة، أو التسمية الأكثر مباشرة «الشرق الأوسط الجديد»: نشر الاضطرابات، وتفتيت الكيانات الكبرى، للدفع نحو الديموقراطية»، سألت: كيف؟ بالاستقطاب والتدريب والتمويل، والإعلام سيلعب دورا موجها «خلال سنوات صارت قناة الجزيرة هي الأكثر مشاهدة في المحيط العربي»، ومع تردي أحوال المعيشة، والارتفاع المهول لمعدلات الفساد والفقر والبطالة، وتفشي أشكال القهر والاستبداد، ستنفلت في لحظة ما، ثورات فقر وكرامة شعبية، ضد أنظمة بالغة الخراب والترهل. سألت: بأي اتجاه ستمضي هذه الثورات؟ ما تبقى من القوى القومية واليسارية المقموعة والتقليدية، ستعمد للارتماء في حضن المشروع القائم والوحيد، سيتحالفون مع الإسلاميين الذين سيستحوذون على كل شيء أخيرا «شهيد الكمد، محمد بوعزيزي، أحرق نفسه في 17 ديسمبر 2010 لتنطلق الثورات وعدواها على التوالي، بدأت بثورة التونسيين على نظام زين العابدين بن علي خلال أيام، وكانت حقا اللحظة الأكثر شجنا وطوباوية،

هزّت صرخات المحامي، ولد عبدالناصر العويني، وجدان العرب كافة، وآمال المثلوثي «أنا أحرار ما يخافوش» أبكتنا جميعا. ثم في أقل من عام فازت حركة النهضة الإسلامية بالسلطة.

ثورة شعبية ثانية في مصر، وفي 2012 سيفوز الإخوان المسلمون بالسلطة في مصر، في اليمن وبعد ثورة فبراير 2011 ركب حزب الإصلاح الإسلامي على ثورة الشباب اليمني، وفي 2015 ينقلب على السلطة حزب إسلامي أيضا «أنصار الله».

الإسلاميون توغلوا أيضا في برلمانات وحكومات بلدان مثل لبنان والكويت والمغرب والأردن. بالنسبة لسورية وليبيا، فقد تحولت مدنها وقراها لميليشات وفصائل جهادية، تقاتل وتقتل من هب ودب».

من سينجو؟ دولة الإصلاح السياسي والاقتصادي، دولة القانون والعدالة والدستور والحرية والرفاه.. والشباب.