نواف آل معتق



في هذا اليوم أتممت 10 سنوات من الغربة وفي الغربة. ما زال يوم 24/ 8 / 1428 عالقاً في ذهني، واضحاً أمامي بكل تفاصيله، كنت طفلاً مراهقاً ظن نفسه قد أصبح رجلاً وله حق تقرير المصير.

أتذكر جيداً وقفة أبي الأخيرة، فبعد عودتنا معاً من صلاة العشاء جلس على درجة من درجات باب بيتنا وتحت إضاءة الشارع الخافتة محاولاً الانفراد بي حيث لم يعد على موعد رحلتي سوى ساعات.

وسأل: أما زلت مصراً على السفر والغربة رغم الخيارات المتاحة هنا؟

هذه المرة كان سؤال أبي مباشراً بعد عدة محاولات غير مباشرة ليثنيني عن خيار الرحيل، كان هذا السؤال الأخير إن كان هناك تراجع حيث لا عودة وتراجع بعده.

مجرد كلمتان [ نعم أو لا ] ولحظات فاصلة وإجابة ثوان ستحدد كل شيء، لم أكن أخشى الإجابة بقدر ردة الفعل، كنت أخشى انهياره أو أشياء أخرى غير متوقعة عند الإجابة الأخيرة عن السؤال الأخير.

وبشيء من التخوف والترقب قلت: [ نعم ].

حينها بدأ ينظر بعيداً بعد أن كانت نظراتنا تتشابك، ثم قال بعد تنهيدة عميقة: حسناً، القرار قرارك والبقاء للصامل، وليست الغربة كما تظن.

تظن أنك قد أصبحت رجلاً؟ قلت: [ نعم ]، ما اسمك الأخير؟ قلت: [ آل معتق ].

إذن ياولدي من اليوم فصاعداً ليس بيني وبينك سوى هذا الاسم فلا تسألني بعدها عن شيء إن كنت رجلاً كما تقول، عدا أمرين: «إن مرضت ونُومت، أو قمت بحق الضيافة واحتجت مالاً لذلك».

يا ولدي يتشارك معك في هذا الاسم عشرات وعشرات، «فو الله ثم والله لو ألحقتنا بخطيئة أو عار لأتيتك حيث تكون وأدفنك حياً واقفاً ودون أن أصلي عليك».

يا ولدي ثلاث قواعد على رجل الغربة معرفتها: 1) كن حرفاً [ أي يقظاً ]، 2) ولا تشرب مشروبا من رجل لا تعرفه،3) احفظ الله يحفظك ولا تترك الصلاة.

ثم انتفض من مكانه وقام ينفض ثوبه مما علق به من غبار ثم التفت نحوي مصافحاً ومودعاً، وداع لا حرارة فيه. كان وداعا فيه رائحة تعال على كل المشاعر، ثم قال كلمته الأخيرة [استودعتك الله].

وها هي 10 سنوات مرت بكل ما فيها، تنقلت فيها بين 4 مدن بكل ما فيها، وما زال صدى هذه الكلمات يتردد في رأسي وصورة أبي لا تفارقني، كانت 10 سنوات كي أستوعب عبارته «البقاء للصامل».