تفاوتت الآراء وتضاربت التقديرات والتفسيرات حول الانعكاسات والآثار المترتبة على تنفيذ القرار الخاص

بفرض رسوم مالية متصاعدة على العمالة الوافدة ومرافقيهم والتابعين لهم، والتي بدأت تزامنا مع الأول من يوليو 2017، وذلك بخصوص رسوم المرافقين والمرافقات (100 ريال شهريا) كبداية لمنظومة من الرسوم الوارد فرضها على العمالة الوافدة ذات الصلة بسوق العمل، والتي سيتم تطبيقها تباعا مع بداية عام 2018، وذلك بناء لتوجه حكومي مطلوب يفرضه الخلل الكبير الواقع في سوق العمل الوطني، والذي يشكل فيه ارتفاع نسبة العمالة الوافدة حجر الزاوية في مسببات الخلل الحاصل في سوق العمل الوطني بمختلف تحدياته، والذي لا يقتصر على منافسة المواطنين في اقتناص فرص العمل والوظائف التي يفترض أن تكون حكرا على المواطنين فحسب، وإنما لتأثيرات ذلك الخلل الكبير والمتمثل حصرا في ارتفاع نسبة القوى العاملة في المملكة وتفوقها لصالح العمالة الوافدة، وتبعات ذلك على هيكل سوق العمل بصفة عامة وما يتضمنه ذلك من تحديات وإشكالات مختلفة وعميقة كانت سببا أصيلا في وجود ذلك الخلل الهيكلي والتنظيمي، سواء ما يتعلق منه بطبيعة العمل أو بموارده البشرية، والذي ترتب عليه إفشال وتقويض لكثير من مشاريع التنمية البشرية البناءة التي تستهدف تأهيل العمالة الوطنية لتمكينها في سوق العمل الوطني، وتزويده بكافة المهارات والقدرات الوطنية الشابة التي وإن لم يكن بعضها مؤهلا بذاته، فإنه يمكن تأهيلها والرفع من كفاءتها في البيئة الحاضنة للعمل المطلوب، أو من خلال مساهمة القطاع الخاص منفردا أو بمشاركة حكومية أو بدعم ميسر في توفير معاهد وأكاديميات تدريب متميزة تخدم برامجها متطلبات وظائف سوق العمل الوطني، هذا إلى جانب ما تضيفه الجامعات والكليات المختلفة الأقل تخصصا من مخرجات لموارد بشرية تتوافق في مخرجاتها مع حاجات السوق المهنية والوظيفية والتقنية المختلفة.

ومما يجب إدراكه أن توفر العمالة الوافدة في سوق العمل الوطني وبإجراءاتها المختلفة غير المقننة وبأجور منخفضة، مع قبول منها كافة ظروف العمل المتاحة، وإن كان بمهارات متدنية، يجعلها سلعة مرغوبة لدى صاحب العمل، بل ومنافسة للمواطن المؤهّل، وإن كان على حساب الجودة والمهنية والتخصص والأمانة، وذلك مقارنة بالمتخصصين على اختلاف مستوياتهم من المواطنين، وليس منعدمي التأهيل الذين يمكن كذلك تدريبهم في العمل المتاح بدلا من الوافد متدني التأهيل، وإن تطلب ذلك أجرا أعلى، فذلك تقتضيه الوطنية والمشاركة في التنمية من جهة والمساهمة في الارتقاء بالجودة في العمل والاستدامة للموارد البشرية من جهة أخرى.

ولعله من المناسب والواجب الوطني في ظل تلك التضاربات والاختلافات الكبيرة ما بين شرائح المجتمع في تقييمهم ورؤاهم حول أهمية تطبيق ذلك القرار وجدواه، والذي يتفاوت ما بين معارضة وتأييد من جانب، وبين عدم قدرة على معرفة أو تقييم جدوى ذلك من جانب آخر، فإنه علينا أن نقف موقف المحايد المسؤول بأمانة، والمواطن الواعي ذي الشفافية النزيهة والأمينة، ومن خلال تقييم علمي وواقعي يستند على حقائق أثبتت الدراسات والواقع والبيانات مصداقيتها، والذي يمكننا من خلاله توضيح الحقيقة وكشفها على الملأ لتتضح الصورة بمصداقية تامة وبرصد علمي دقيق، والذي يكون من خلال تصنيف شرائح المجتمع المتأثرين بذلك، وانعكاسات تطبيق القرار عليهم بناء على تأثير ذلك عليهم من جهة، وتوضيح لحقائق وبيانات إحصائية علمية رسمية عن واقع سوق العمل الوطني بما يسهم إلى حد كبير في وضوح الصورة وتجلي الحقيقة من جهة أخرى، وذلك من خلال ما تم نشره إلكترونيا لأحدث البيانات المتاحة رسميا.

أما شرائح المجتمع فيمكن تصنيفها ما بين، فئة المستفيدين المباشرين من ارتفاع نسبة وجود العمالة الوافدة بما يخدم مصالحهم التجارية أو الوظيفية والمهنية على اختلافها، ويتيح لهم تعدد الخيارات في الوظائف المتاحة والأجور المحدودة والبيئة الموجودة لديهم وطبيعة المهن المتيسرة لديهم وغيره، وبين المستفيدين غير المباشرين وهم الذين يعملون بالطرق غير النظامية والأساليب المستترة التي تسيطر للأسف على طبيعة نشاط سوق العمل الوطني بكافة قطاعاته، وتجعل الوافدين هم المستفيد الأكبر من أرباح الاستثمارات المختلفة، سواء التجارية والصناعية منها أو المهنية والعقارات وغيرها، وبالطبع يمثل هؤلاء جميعهم الشريحة المعارضة لتطبيق القرار،

بل تناشد القيادة التراجع عنه.

أما الفئة المؤيدة لتطبيق ذلك القرار والتي يملؤها الحماس والدعم، فهي تلك الشريحة من المواطنين الذين ليس لهم ناقة ولا بعير في سوق العمل الوطني (كأصحاب رؤوس الأموال والأعمال على اختلاف أحجامها ونوعياتها)، وهم المتضررون الفعليون من تحديات سوق العمل وإشكالاته التي حرمتهم أو حرمت أبناءهم أو أحدا من ذويهم أو من يعرفون من وظائف تناسب مؤهلاتهم وقدراتهم وشهاداتهم التي يحملونها، سواء كانوا خريجي جامعات وطنية قديرة أو جامعات عالمية، ولم يجدوا فرصة عمل في وطنهم الذي يزخر بالعمالة الوافدة التي تستأثر بفرصهم الوظيفية، بل ويتصدر (الوافدون) -كثير منهم- الإدارة المحركة للتوظيف في المؤسسات الخاصة بما يحول دون توظيفهم، أو لا يحترم أمانة تقيمهم في الأداء الوظيفي بما قد يحرمهم من وظيفتهم التي وضعوا أحلامهم وآمالهم فيها بعد أن حصلوا عليها بمشقة، وذلك في ظل لوائح لنظام عمل لا يحميهم أو ينصفهم من بطش أصحاب الأعمال ومن يأتمنونهم في إدارة أعمالهم، بما يجعلهم هم وغيرهم من المواطنين يسجلون يوميا أعدادا متنامية لمعدلات نسب البطالة والباحثين عن عمل في وطننا الغالي الذي يفيض بخيره وموارده على غيره من الأوطان، هذا إلى جانب ما يشكله ذلك من هدر وتضييع لأموال وطنية تم صرفها وتوجيهها نحو تعليم وتأهيل تلك الكوادر الوطنية المعطلة، وما يكتنف ذلك من تطلعات لمشاركة مأمولة في مسيرة البناء والنماء الوطنية، وما يترتب بالتالي على تعطيلها من تعثر وعرقلة لمسيرة التنمية الوطنية بكافة مقدراتها ومواردها التي حبانا الله إياها من أن تقوم وتنهض بسواعد أبنائها وبناتها لتحقيق تطلعاتنا المستقبلية ورؤيتنا التنموية المتفائلة.

أما الرصد العلمي الموجز فيمكن توضيحه من خلال البيانات والحقائق التي تشير لها البيانات الوطنية المعنية بواقع سوق العمل الوطني وحجم قوى العمل الوطنية من المشتغلين مقارنة بالعمالة الوافدة المشتغلة، ونسبة البطالة بين المواطنين وذلك في الربع الرابع من عام 2016 والصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، وهو كفيل بأن يضع الحقائق المُؤلمة أمام أعيننا ويجعلنا على بينة من أمرنا وواقعنا، وبما يسهم في تصحيح توجهاتنا ومساراتنا الفكرية الوطنية، لنسمو بها من الأنانية الذاتية إلى الإيثار الوطني والهدف الأسمى الذي نتطلع إليه، إذ تشير البيانات الوطنية إلى أن نسبة المواطنين المشتغلين في سوق العمل الوطني تبلغ (21.95%) من جملة المشتغلين في سوق العمل، بينما تصل نسبة المشتغلين من غير السعوديين (78،04%)، وذلك في حين تبلغ نسبة السعوديين الباحثين عن عمل (917.563) باحثا عن عمل، بما يقارب المليون باحث ما بين ذكر وأنثى من المواطنين المؤهّلين، كما ترتفع نسبة البطالة بين السعوديين لمن هم 15 سنة فأكثر إلى (12,35%)، بينما ينخفض معدل البطالة العام إلى(5.6%)، والذي يشمل مواطنين وغير مواطنين، ومن جهة أخرى فإن المشتغلين من غير المواطنين يستأثرون على الوظائف في القطاع الخاص بنسبة (82.83%)، وذلك حتى نهاية عام 1436، بناء على أحدث البيانات الوطنية المتاحة.

وبعد التعرض الموجز لبعض البيانات العلمية ذات الصلة، فهل يمكن أن نعارض أو نستاء أو نطالب بالتساهل أو عدم الانضباط في حجم العمالة الوافدة في وطننا؟! هل يمكن أن نقبل ونرتضي توظيف غير مواطن مؤهل بدلا عن مواطن لا ينقصه تأهيل إن لم يكن ينافسه؟! بل هل يمكن أن نـحقق الجودة في الأداء والعمل والإنتاج في ظل كم كبير من العمالة متدنية التأهيل والأجر؟! وهل يُعقل أن نطلب من أبنائنا وبناتنا البحث عن فرص عمل في دول أخرى ونحن نوفر لغيرهم فرص العمل؟! نحن لا ننكر أهمية مساهمة معظم إخواننا من الدول الأخرى، بل ونقدر ونثمن جهودهم الكبيرة التي شاركت ودعمت مسيرة البناء والرخاء التي استهدفتها خططنا التنموية ورؤانا الوطنية ومساعينا الدؤوبة، قيادة وشعبا، نحو الارتقاء بهذا الوطن، ولكن الحقيقة التي يجب تأكيدها إن الوطن أولى بمواطنيه، وإن المواطن أحق بكل فرصة عمل متاحة في وطنه، وذلك حق مفروض ومطلب وطني ومستحق لكل إنسان في وطنه، فالوطن والمواطن أولا وأخيرا.