الكتب التي تحتاجها كل حين قليلة، الكتب الصديقة التي تشيّد بها المباهاة والأيام والذاكرة، تترك لاثنين أو ثلاثة منها مكانا في حقيبة السفر، وتلجأ إليها في الليالي الصعبة، على سبيل شد العضد.

ماركيز، لم تكن تخلو دفاتره من كلمات أصدقائه اليابانيين، ظل يحمل ياسونا ريكاواباتا و«الجميلات النائمات»، حتى استسلم وكتب «ذاكرة غانياتي الحزينات».

هنري ميلر كتب سيرته عبر «الكتب في حياتي»، قائلا: «في هذه الأعمال يعثر المرء دوما على الحقيقة والشعر والحكمة»، ألقى التحيات التامات على دوستويفسكي، وهرمان هسه، وبروست، وبلزاك، وبرونتي، وألف ليلة وليلة.. إلخ، وتوقف عند جيمس جويس وسماه العملاق في الميدان.

ألبرتو مانغويل صاحب «تاريخ القراءة» و«المكتبة في الليل» كان مؤمنا هائلا بالشاعر بورخيس، وكتب عنه كتابا صغيرا اسمه «مع بورخيس»، ووصفه بما وصف بورخيس به نفسه «قارئ في المقام الأول». وعندما بعث الشاب القادم، مكسيم غوركي بكتبه إلى أنطوان تشيخوف 1898، كتب معها رسالة امتنان قصيرة وفرحة للأديب الكبير على كلماته: «أود أن أعبر لكم صراحة عن محبة كبيرة أكنّها لكم منذ نعومة أظافري، أن أخبركم بكم المتعة التي تمنحنا إياها موهبتكم الفذة، تلك الموهبة الآسرة للروح، التراجيدية، البديعة دوما، والرقيقة كذلك. آه، يا إلهي! أشد على يديك، هذه يد فنان، ذي قلب، وشجون. عليّ أن أفعل، أليس كذلك؟ أسأل الرب أن يمد في عمرك حتى يدوم مجد الأدب الروسي. أسأله أن يهبك صحة، جلدا، وأن تسعد روحك. كم من لحظات رائعة عشتها مع كتبك، وكم ذرفت الدموع فوق صفحاتها، ويصيبني السعار كذئب وقع في فخ، ثم لا ألبث أن أضحك طويلا وقد مس روحي الأسى!».

والكتب قد تكون صديقة لقارة بأكملها. حين التقى هوغو تشافيز، الرئيس الفنزويلي الراحل، نظيره الأميركي باراك أوباما، في القمة الأميركية في بورتريكو عام 2009، وقد كان هذا حدثا بارزا بين بلدين لدودين، كان شافيز يحمل في يده كتاب الأروغواني إدواردو غاليانو «شرايين أميركا اللاتينية المفتوحة»، التقطت العدسات اللقاء وعنوان الكتاب كغنيمة ورسالة، وطارت بها وكالات الأنباء، وفي ساعات يصبح أحد أكثر الكتب طلبا في العالم. قبلها بـ3 سنوات استشهد الرئيس البوليفي إيفو موراليس بعنوان الكتاب نفسه، في مؤتمر زعماء القارة، داعيا إلى إغلاق شرايين أميركا اللاتينية المفتوحة، أما غاليانو نفسه فقد قال: «لقد تعبت الإنسانية من البكاء».