الطريقة التي نتعامل بها مع أسماء الآخرين تكشف لنا ملامح مهمة من طبيعة علاقتنا معهم. الأسماء هنا علامات تشير إلى علاقة الذات بالآخر. من المهم في البداية التفريق بين أمرين مهمين وهما: التسمية والمناداة بالاسم. التسمية هي فعل إعطاء اسم للآخر، بينما المناداة بالاسم هي عملية استعمال اسم الآخر لطلبه. التفريق مهم للتالي: التسمية هي عملية منح الآخر اسما، ولذا فهي تشير إلى سلطة وصلاحية تمارس من الذات تجاه الآخر. لذا فإن حق التسمية غالبا محصور في الأب والأم باعتبار علاقتهما الاستثنائية بالطفل. بعد بلوغ الطفل ينتقل حق تسميته لنفسه. في المقابل فإن المناداة تعني استخدام الاسم الذي قد تم اختياره للآخر. التفريق مهم لأن الأمور تختلط أحيانا وتتسرب مع هذا الاختلاط علامات الهيمنة والسيطرة على الآخر. مثلا من علامات المعلم المتسلط أن يعيد تسمية الطلاب بأسماء غير محببة لهم للتعبير عن مواقفه تجاههم. المعلم الذي يحب طلابه يفعل ذلك أيضا، ولكن باختيار أسماء يحبها الطالب. الفارق هنا هو حساسية المعلم الثاني لموقف الآخر من الاسم الذي اختاره له. فعل التسمية هنا يمر بمحاذير كبيرة تجعل من الذات أمام مسؤولية أخلاقية تجاه الآخر. هذه المسؤولية تعني احترام حق الآخر في تسمية ذاته وحقه في أن يتم التعامل معه من خلال ذلك الاسم تحديدا.

يبقي الموقف أقل وضوحا مع أولئك الذين لا نعرف أسماءهم ونحتاج لمناداتهم. ذكرنا في المقالات السابقة أن خيار تسميتهم بأسماء علم بديلة مثل «يا محمد»، حتى لو كانت أسماء ذات قيمة محترمة، لا يزال يضعنا أمام احتمال العدوان على فرديتهم وشخصياتهم المستقلة. الخيار الأقل حساسية هو الابتعاد عن أسماء العلم بخصوصيتها الفردانية واستعمال أوصاف عامة ذات دلالات إيجابية مثل «سيد، يا غالي.. الخ». لكننا وقفنا أمام حالة تستحق التفكير فيها باستقلال وهي حالة الضيافة. رغم أن حالة الضيافة تعبر عن واحدة من أعمق علاقات عناية وترحيب الذات بالآخر، إلا أن فيها تجنبا لمعرفة اسم الضيف. المتوقع أن المضيف لا يسأل ضيفه عن اسمه، فما هو سبب هذا الحذر من معرفة اسم الضيف؟

ذكرنا أن اسم العلم دلالة على الهوية الفردية للإنسان «singularity». الهوية التي تجعله متفردا عن غيره، فالاسم العلم يشير لهذا الإنسان تحديدا وليس لغيره. ما قيمة هذا الأمر في الضيافة؟ أعني ما قيمة معرفة هذا الفرد تحديدا دون غيره في عملية استضافته؟ إذا كان المضيف يعرف تماما، أو يريد أن يعرف تماما، القادم إلى بيته فإن هذا الزائر لم يعد آخر بالنسبة له. في المقابل فالضيافة تحديدا مخصصة للآخر (الغريب، الأجنبي، عابر السبيل... إلخ)، لمن لا نعرفهم. لذا يبدو أننا هنا في حاجة للتفريق بين: الزيارة «visitation»، والدعوة «invitation». الزيارة هي مبادرة الضيف بالحضور. الدعوة هي طلب المضيف من الضيف أن يقوم بزيارته. الدعوة هنا تعني أن المضيف يعرف الضيف، بل إنه قد اختاره. إلا في حالة واحدة وهي أن تكون الدعوة عامة، دعوة للآخر، لمن لا نعرفهم. ومن أبلغ طرق هذه الدعوة: الباب المفتوح، حين يعلن صاحب البيت تخليه عن تقرير من يحق له الدخول ومن لا يحق له الدخول. هنا نصل إلى مرحلة الضيافة غير المشروطة «unconditional hospitality»، حيث يرحب المضيف بضيفه بدون أي اشتراطات سابقة. الضيافة بهذا الشكل تدفع باتجاه تجنب تحديد هوية الضيف عند استقباله. وبهذا يمكن فهم أهمية تجنب السؤال عن الاسم عند الاستقبال، تجنبا لاحتمال كون ذلك العمل شكلا من أشكال الفلترة والتحكم فيمن تجب استضافته ومن لا تجب استضافته. هذا يدخلنا في تحول الضيافة إلى عملية حسابية يحاول أن يجني منها المضيف مكسبا ما، أو على الأقل يخفف من احتمالات المغامرة في الضيافة.

هل الضيافة بهذا الشكل تجاهل لفردية الآخر وشخصيته المستقلة؟ نعم ولا. نعم باعتبار أن المضيف يرحب بالآخر الذي لا يعرفه، هوية هذا الآخر الخاصة لا تهم، ما يهم هو غيريته واختلافه وآخريته. في المقابل فإن الضيافة تعمل كالشرط القبلي «transcendental condition» لإمكانية تحقق ذاتية وفردية الآخر، بمعنى أنها الحالة الأولى من البراءة والحرية التي تحتفي بالآخر وتجعل من تحديد هويته أمرا ممكنا. الضيافة هنا هي عمل بالاتجاه المعاكس للافتراضات السابقة وتوفير لحالة من الأمان لولادة الفردانية. الضيافة لا تمنع الضيف من قول «أنا فلان»، هي فقط تمنع المضيف من قول «من أنت؟». الضيافة هنا إعادة الحق لصاحبه في تحديد هويته كما يشاء، وجعل المضيف في حالة شبيهة بحالة القابلة التي ترحب بالمولود القادم أيا كان. القابلة هنا ليست كالأب الذي ينتظر صبيا. القابلة تنتظر المولود، ذكرا كان أم أنثى. الضيافة هنا إمكان حتى لبداية شخصية وهوية جديدة للزائر الجديد في المكان الذي لن ينازعه أحد فيه على هويته. سأحاول في المستقبل جمع قصص عن كيف كانت الضيافة فرصة للغريب القادم في تشكيل هوية جديدة، ربما اسم جديد يبدأ فيه حياة جديدة، ولن أستغني عن مساعدتكم في الحصول على تلك القصص.