تعتبر عاصفة الحزم نقطة التحوّل الاستراتيجية في التعامل مع التدخّل الإيراني في الداخل العربي. وأن تشكيل قوات التحالف العربي بقيادة السعودية خطوة غير مسبوقة على مستوى الأمن القومي العربي الذي انتقل لأول مرة من البيانات والاتفاقات إلى الميدان الفعلي ومواجهة التحديات بالفعل، وليس بالكلام كما جرت العادة منذ إقرار معاهدة الدفاع العربي المشترك في عام 1950. ومع قيام دول التحالف العربي في اليمن بدأت مرحلة من الوضوح في الآفاق والتباينات بين الأشقاء العرب من الخلاف على تشكيل القوّة العربية المشتركة إلى تباين السياسات والتحالفات في اليمن.
تمسّكت السعودية في توجّهها الاستراتيجي بمواجهة التدخّل الإيراني بكلّ الأدوات، على أساس أن الدفاع عن الأمن القومي واستقرار دول الخليج العربية أغلى من كل التضحيات والأكلاف البشرية والمادية، وذلك بمواجهة الاندفاعة الإيرانية قبل وصولها إلى الداخل الخليجي، تفادياً للنتائج الكارثية التي حدثت في لبنان وسورية والعراق. واستطاعت المملكة أن تؤكّد من خلال الحزم في المواجهة الوصول إلى «العزم يجمعنا»، وذلك بمشاركة خمس وخمسين دولة عربية وإسلامية، ليصبح الحزم مع إيران خياراً عربياً وإسلامياً ودولياً بعد قمّة التحوّل الاستراتيجي في الرياض.
حاولت إيران في الأيام الماضية الإيحاء بانتصارها في معركة الموصل، متناسية وجود التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق بقيادة أميركا ومشاركة أربع وثلاثين دولة، إلا أن حجم المأساة التي خلّفها سقوط الموصل على العراق أكبر من أن تمحوها احتفالات الانتصارات الإعلامية، وخصوصاً أن آثارها المدمّرة على أكثر من نصف العراق لا تزال ماثلة للعيان، ناهيك عن حجم الدمار والتهجير الذي طال ملايين العراقيين. هذا بالإضافة إلى تشريع تسليح الميليشيات الطائفية التي أصبحت تهدّد استقرار العراق ووحدته ودولته.
تزامنت هزيمة داعش في الموصل مع الاتفاق الأميركي الروسي حول الجنوب السوري وإعلان وقف إطلاق النار على الحدود الإسرائيلية السورية والأردنية، مع الحديث عن تنسيق العمليات بين روسيا وأميركا في سورية ضد داعش، مع ازدياد ملحوظ للمواقع الأميركية في الأراضي السورية، مع تقديرات باقتراب معركة الحسم مع داعش في سورية، مما يطرح السؤال حول مصير كلّ الميليشيات المسلّحة في سورية والعراق بعد داعش، لأن تاريخ النزاعات الأهلية المسلّحة يؤكّد أنّ خسارة أي طرف من أطراف النزاع يعتبر خسارة للفريق الآخر. فعندما خرجت منظمة التحرير من بيروت على إثر الاجتياح الإسرائيلي عام 82 كان الخاسر الأكبر من خروجها هو الميليشيات اللبنانية المسلحة المعادية لمنظمة التحرير. ومع هزيمة داعش في العراق فإنّ الخاسر الأكبر هو تنظيم الحشد الشعبي الذي يكون كنتيجة لسيطرة لداعش على الموصل وثلث العراق.
سمعنا الكثير من الأحاديث لمحلّلين عرب وأجانب عن عدم جدوى عملية الحزم وأكلافها، وعن قدرة إيران على تحريك أدوات الفوضى في الوطن العربي، وكذلك الحديث عن الأثمان الرخيصة التي تتكفلها نتيجة توفّر عناصر الفوضى وأدواتها الرخيصة مثل الأسلحة الفردية والخطب المذهبية والطائفية، بالإضافة إلى اللعب على التناقضات الوطنية داخل المجتمعات العربية، وخصوصاً في كل من سورية والعراق واليمن التي قد تشهد تطورات استثنائية في المرحلة القادمة بعد عملية الانتظام في التحالف الدولي الذي تمّ الإعلان عنه في قمة الرياض لمحاربة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله، والذي سيعيد لفكرة الدولة الوطنية أولويتها ويضع كل أدوات إيران من الميليشيات والتنظيمات المسلّحة خارج الدولة في خانة الإرهاب مع داعش وأخواتها، مما سيدفع إيران إلى مراجعة حساباتها لعدم قدرتها على الدخول مباشرة في كل تلك النزاعات التي تديرها في الخفاء، وسيدرك كلّ المحلّلين عدم صوابية التشكيك بالحزم والعزم.