أنا لا أعرف لماذا فعلت تلك الفتاة ما فعلت، ولماذا التقطت تلك الصور الاستفزازية المرفوضة بكل المقاييس، لكن ردة الفعل عليها ذكرتني بما جاء في الحديث الصحيح عن أنس قال: «رأى عُمرُ أمةً لنا متقنعة فضربها وَقَالَ: لا تشبهي بالحرائر».

في الواقع رويت هذه الواقعة ووجهة النظر العمرية هذه من أكثر من طريق، والتي تتفق في شيء واحد أن الحجاب كان لزاما على الحرائر المسلمات، فلا الجواري ولا غيرهن كن يحتجبن، وهناك من الآثار ما يروي ذلك.

لكن فيما بعد بدأ بعض الفقهاء يضعون رؤيتهم ويضيقون على الناس متجاهلين بعد النظر العمري، فقال بعضهم إن جواري اليوم لسن كجواري النبي، صلى الله عليه وسلم، فما نراه من التركيات والشركسيات... إلخ أنهن شديدات الفتنة، ولا يتصور معه تركهن بلا حجاب.

هذا الفريق من الفقهاء لا يختلف كثيرا عن فقهاء اليوم والذين يَرَون في الحجاب وسيلة حماية للرجل من الوقوع في الفتنة، بينما هو ليس كذلك بنص القرآن «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين»، المسألة كلها بالنسبة للقرآن الكريم تدور حول المرأة المسلمة وتميزها، وهكذا فهمها عمر، ولو عدنا قليلا لعهد النبي -صلى الله عليه وسلم-لوجدنا في حديث الخثعمية، وهو حديث صحيح، وكانت -كما وصفها الراوي- وضيئة (رأى وجهها طبعا)، أن ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- يتطلع نحوها، فلم يتوجه النبي لها بأي إشارة، بل التفت للفتى وأبعد رأسه عنها بدرس حضاري عظيم، لو تمخض العالم كله لن يقدمه في احترام المرأة ومظهرها تحقيقا لأوامر القرآن بغض البصر.

إنك في 2017 لن تجد ما يدل على هذه العظمة المحمدية أو الرؤية العمرية، بل تجد أعدادا هائلة من الرجال يرون الحجاب وسيلة لحمايتهم وأنت تنتهكينها وتعرضينهم للدخول إلى النار، بل يعرضون عليك ما أمرت به نساء النبي وحدهن «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء» الآية التي تبعها «وقرن في بيوتكن». فيقول لك «اجلسي مش ناقصين فتنة».

مما يطرح سؤالا أين دينك ومبادئك وقيمك التي تربي فيك غض البصر والبعد عن المحارم؟ أنت إنسان سوي تتحكم بغرائزك وليس ردة فعل لتحكم الآخرين بغرائزهم.

في الواقع هذا مثال واحد من عدة نماذج تتحول فيها أحكام الشرع من العمق المحمدي للتسطيح الذي جر الأمة لمسلسل طويل من الخيبات أنتجت هذا التخلف في كل مناحي الحياة، وليس فقط المجتمع وشؤونه.