هل ثمة أمل في الإصلاح من شأن الإنسان، هذا المخلوق المشاكس، أم أنه لا سبيل لإصلاحه، وأن كل ما يستحدثه مآله أن يفضي إلى صور أخرى من الشقاء؟ عن سؤال الإصلاح البشري وعن الهوية والقيم والمثل العليا ماذا تعني؟ وكيف تتصادم في كتاب شيق يتلمس تاريخ الأفكار عند الشعوب «ضلع الإنسانية الأعوج» للمفكر البريطاني إيزيا برلين أستاذ النظرية الاجتماعية والسياسية في جامعة أكسفورد.

وجد إيزيا برلين أن الإنسان العادي من الممكن والطبيعي أن يتحول إلى إنسان فاسد ولن تكون عنده أية مشكلة في أن يتقبل الفساد ويعمل من خلاله. ويستمر الكاتب في تفسير الدوافع والقيم التي تصنع من الإنسان كائنا أعوج وغير مرئي ويفتح مداركنا أكثر حول معنى أن يكون الكائن بشراً سوياً أو العكس ويناقش الموضوع من كافة أوجهه، عارضا أفكار السابقين من المفكرين والفلاسفة، وأولئك الذين قادوا حملات تحمل شعارات الفضيلة والمجتمع الإنساني المتكامل. ويطرح كتاب «ضلع الإنسانية الأعوج» محاور عميقة لتفكيك فكرة الخير الأعظم للطموح البشري في القيم الكبرى والأساسية، مثل: العدالة، الحرية، المساواة ومن هنا اعتبر أحد أهم مؤرخي الأفكار.

وفي سياق البحث العميق لتاريخ الأفكار يخلص إلى حقيقة أن هناك قيمة واحدة تمسك بها الإنسان، وهي استعداده المستمر للتضحية مقابل الحصول عليها، إنها قيمة الإنسان وحقه في الحياة التي يؤثر عيشها وحقه في العيش الكريم. ولكن الإشكالية تكمن في «الأفكار» بخصوص هذا الحق وهذه الحياة أي العيش الكريم أي عيش هذا؟ أتراه العيش الذي تحض عليه الأديان السماوية الذي يعد أفراده بالنعيم والجحيم في آن معاً أم تراه في العيش الذي يبشر به السياسيون الملهمون. أم أولئك الذين يبشرون برؤية الضوء المنبعث في نهاية النفق.

إن الأفكار والتيارات الجارفة التي عصفت بالبشر منذ أقدم العصور بدأت بأفكار، فلا بد هنا من معرفة الذات، ومعرفة الذات تستدعي بالضرورة دراسة التاريخ، هذه الدراسة التي يستغرق الإنسان فيها على نحو ما ماهية التفسيرات؛ ناقش نيتشه بعضها: بدءا من العجب والرغبة في تمجيد إنجازات القبيلة، الأمة، العرق، الطبقة أو الحزب وانتهاء بالاعتقاد أن الأسلاف وحدهم الذين تلقوا الوحي بغايات الحياة الحقيقية. فيما يرى آخرون أنه لمعرفة ذواتنا وكيف أصبحنا على ما نحن عليه، فلا بد من معرفة أسلافنا، ماذا فعلوا وما هي مترتبات نشاطاتهم؟ وبالإضافة إلى النشاط البشري، هناك فكرة الثقافة ذاتها، الأنشطة التي يقوم بها أعضاء أي جماعة: الأديان، الفنون، العلوم والعادات، اللغة، فضلا عن الأساطير والسلوكيات ذات الطابع الشعائري، كلها قضايا تدرس وتبحث لذاتها لمعرفة ما هو عليه إنسان اليوم.