هناك التباس في فهم التطورات الأخيرة بين الدول الأربع ودولة قطر حول سياسات منع دعم الإرهاب والتطرف في المجتمعات العربية، والالتزام بأسباب الاستقرار ومنع الفوضى. وأن الشروط الثلاثة عشر التي وضعتها الدول الأربع على دولة قطر، وهي في حقيقتها التزام من تلك الدول بهذه الشروط قبل فرضها على الآخر أو مطالبته بالالتزام بها، تستدعي وضع الأمور في نصابها، وهي أن الدول الأربع دخلت في مرحلة صناعة أسس التحول نحو مجتمعات أكثر استقراراً وتكاملاً بعيداً عن سياسات الفوضى وعدم الاستقرار.

إنّ التطورات الأخيرة هي جزء من التحولات الاستراتيجية، التي أصبحت في مقدمة اهتمامات العديد من دول المنطقة، وخصوصا الرؤية التي بادر إلى إطلاقها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان 2030، ورسم سياسات بعيدة المدى بما يتماشى مع متطلبات الأجيال الصاعدة في التقدم والازدهار على أسس جديدة، تقوم على تعدد مصادر الثروة، وفي مقدمتها الثروة البشرية الشبابية، وبشكل مغاير للأسباب التي سادت في العقود الماضية بالاعتماد على الثروة النفطية كأساس وحيد للنمو الاقتصادي.

إنّ الشروع في نهجٍ جديد مبني على دليل كما جاء في مبادرة الأمير خالد الفيصل إبان مؤتمر مؤسسة الفكر العربي الأخير في أبوظبي، هو دعوة للمفكرين العرب إلى الانخراط في عملية التحول التي تقودها الدولة العربية الحديثة، والتغيير في إنتاجيتها، وهي دعوة غير مسبوقة في تاريخ المؤسسات الفكرية، لأن النهج الجديد هو دعوة إلى الاستفادة من علوم وخبرات الجيل العربي الجديد.

إن دعوة سمو الأمير خالد الفيصل تعتبر فرصة لكي يشارك المفكر العربي في وضع أسس التحول الثقافي والعلمي التي تحتاجها مجتمعاتنا مع تفكير عميق في كل مجال، ومع إشارة من سمو الأمير خالد الفيصل إلى أهمية فكر رجال الأعمال بما هم رافعة حقيقية للتطور الاجتماعي والاقتصادي، واعتبار رجال الأعمال جماعة خلاقة مبتكرة وضرورية لتأمين النهوض الاقتصادي والاجتماعي وتأمين فرص العمل المتطورة لاستيعاب طاقات الأجيال الصاعدة، مع إشارة سمو الأمير إلى التجار المسلمين الذين نشروا الإسلام في آسيا بأخلاقهم وابتكاراتهم ونجاحاتهم.

إنّها دعوة لإطلاق ورشة للنقاش والحوار حول النهج الجديد للتأكيد على خصوصيتنا الإنسانية والفكرية والعقائدية من أجل تعزيز البحث العلمي والتفكير في كل تفاصيل حياتنا وكيفية حماية معتقداتنا من الاستهدافات المغرضة لمنظومة القيم الجامعة. إن مبادرة سمو الأمير هي دعوة إلى الشعور بالمسؤولية التاريخية، لأن ما تواجهه مجتمعاتنا من تحديات يحتاج إلى الكثير من الإنتاج الفكري العربي الحقيقي في كافة المجالات بعيدا عن الشطارات والمهارات وتكرار الذات.

إنّ التحول الذي أحدثته التطورات الأخيرة في الخليج العربي يشكل إحدى نقاط التحول في النظام العالمي الجديد. ويبدو ذلك بوضوح من خلال اهتمام العالم بالتطور الخليجي، مما يستدعي إطلاق ورشة تفكير عربية للمساهمة في عملية التحول، وفي مقدمتها التمييز بين الحرب على الإرهاب والحرب على الإسلام والمسلمين والمقدسات. وأعتقد أن دعوات الأمير خالد الفيصل في هذا المجال هي الأوضح، لأن سموه يسمي الأشياء بأسمائها بدون التباس، من الدعوة إلى نهج جديد في التعامل مع التحديات ووضع عناوين واضحة، إلى تعميق ثقافة السؤال التي أكّد عليها سموه في كتاب: «إن لم فمن»، وإلى الشعور بالمسؤولية في مواكبة التحولات المصيرية والتاريخية.

إن التطورات الأخيرة في الخليج هي أكبر من مقاطعة أو نزاع. إنها مواجهة مع تعدّد الأجندات الأخلاقية والعقائدية والثقافية وأدواتها التنفيذية التي تهدّد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. إنها لحظة تحوّل تاريخية بشروط ذاتية ملزمة، وتأسيس علاقات عربية عربية وعلاقات عربية إسلامية دولية، تقوم على التكامل والشراكة في تحمل المسؤولية واحترام الخصوصية، والمساهمة في صناعة الاستقرار الإقليمي والدولي. وإنها لحظة بلورة مسارات وأكبر من الاصطفافات، وتحتاج إلى نهج جديد وجيل جديد.