محمد آل شايع
من المعروف أن خدمات الأسنان مكلفة ماديًا إن لم تكن الأعلى كلفة.
وعند حديث الوزارة عن الصحة العامة مؤخرًا من أنها ستكون المحور الذي ستدور حوله كل السياسات القادمة لم أجد أي ذكر لصحة الفم والأسنان العامة.
أتمنى أن تكون خدمات الأسنان هي آخر ما يتم تخصيصه من كل الخدمات، فالوصول لهذه الخدمة صعب في الوضع الحالي والتخصيص لن يسهله بالصورة التي يتوقعها الكثير، بل إن قلة عدد العيادات المتخصصة (العلاجية) سيعقد الوصول للخدمة المطلوبة أكثر خصوصًا في ظل استيعابية الخدمات المحدودة حاليًا.
إن إنشاء برامج وقائية مجتمعية للأسنان أقل كلفة وأسهل وأكثر فائدة على المدى الطويل، فبالتالي أرى أنه من الضروري أن يكون التركيز أولًا على صحة الفم والأسنان العامة والمجتمعية، ثم بعد ذلك التفكير في تخصيص الخدمات العلاجية سواء كلها أو بعضها.
علم الصحة العامة يرتكز في وضع خططه على ثلاثة أعمدة: 1) تقييم الوضع الراهن. 2) وضع الخطط والسياسات. 3) متابعة وضمان فعالية تلك الخطط. وفيما يلي سأحاول تفصيل كل من هذه الخطوات المهمة وماذا تعني كل منها فيما يخص موضوعنا.
فتقييم الوضع الصحي الراهن من ناحية صحة الفم والأسنان العام يحتاج أولًا إلى الاستفادة من المسوح الميدانية الشاملة السابقة وإجراء المزيد منها، فكما هو معروف لكل قريب من هذا المجال أن هناك شحا في المعلومات الإبيديمولوجية المتعلقة بصحة الفم والأسنان، وهذا يحتاج إلى تعاون وزارة الصحة مع كليات طب الأسنان لإجراء مثل هذه الدراسات الشاملة، وهذا بالأساس يستدعي أن تكون كليات طب الأسنان بالجامعات السعودية مشمولة بكل الخطط التي ستوضع في هذا السياق وأن تكون عضواً مؤثرًا في كل ذلك، وأظن أن لجنة عمداء كليات طب الأسنان -التي كُوّنت مؤخرًا- هي الجهة المناسبة لتبني وتنسيق مثل هذا. وبعد القياس والتقييم فقط يمكننا أن نضع الخطط للتحسين والتنفيذ، فكما هو معروف: «ما لا يمكن قياسه لا يمكن تحسينه». ويمكن أن تشمل المسوح الميدانية على سبيل المثال لا الحصر: تقييم صحة فم وأسنان الأطفال إبيديميولوجيًا، تقييم عدد وإمكانات الأطباء المتوفرين لتقديم خدمات الأسنان خصوصًا للأطفال، تقييم فلورة الماء الموجود، التعريف بمعوقات الوصول لخدمات الأسنان، المسح الشامل للأطفال قبل دخول المدرسة.
بعد التقييم والدراسات المستفيضة يمكن أن يبدأ عمل ووضع الخطط التنفيذية المناسبة لذلك، ومن ذلك وضع القوانين والتشريعات التي تضمن وصول الخدمة لمحدودي الدخل وسكان المناطق الوعرة والأماكن النائية والحدودية، وضع البرامج المختصة بالوقاية بشقيها الأولي والثانوي، وضع البرامج التي تضمن إيصال الخدمة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، الاستفادة من برنامج التطعيمات الرائع الذي نفذته وزارة الصحة على مدى العقود الماضية في إلزاميته بأن يكون هناك كشف إلزامي على أسنان الأطفال قبل دخول المدرسة على الأقل مرة واحدة.
بعد تبني ووضع مثل السياسات أعلاه هنا يبدأ دور الإشراف لمتابعة وضمان التنفيذ الصحيح، ومن ذلك تشجيع وتنسيق الجهود لتعليم وتثقيف المجتمع وتعزيز صحة الأسنان العامة في المدارس والعيادات والأنشطة الاجتماعية المختلفة والوسائل التقنية مثل وسائل التواصل الاجتماعية وغيرها. العمل على توسيع القائم وتأسيس المزيد من عيادات طب الأسنان بشقيها سواء العلاجي وهو أغلب الموجود حاليًا أو الوقائي الذي يندر وجوده إن لم يُعدَم. إنشاء برامج تعزيز صحة الفم مخصصة وموجهة حسب نتائج الدراسات التي يُفترض أنها عملت، ومن ذلك توجيه برامج لفئات مجتمعية معينة مثلًا أو لفئات سكان ديموغرافية أو لفئات عمرية. إنشاء برامج مختصة لتقديم الفلورايد سواء كان موضعيًا في العيادات أو عموميًا مثل فلورة الماء العام خصوصًا عن المجتمعات ذات نسبة الخطورة العالية. أن تكون صحة الفم والأسنان في المدارس جزءا من المبادرات المجتمعية التي تقوم بها. أن تكون هناك برامج وقائية مدرسية إلزامية للأسنان، وأن تكون هناك عيادات أسنان فيها مختصو صحة فم وأسنان لا لتقديم العلاج وإنما لمتابعة وتنفيذ الخطط الوقائية في الصحة المدرسية. تأسيس برامج تدريبية موجهة للممارسين الصحيين من غير أطباء الأسنان لتدريبهم على تشخيص واكتشاف المشاكل المتعلقة بصحة الفم خصوصًا تسوس الأسنان المبكر، ومنهم على سبيل المثال: أطباء الأطفال، ممرضات التطعيمات وغيرهم.
وفي الختام فإن ما ذكر أعلاه هو للتنبيه على أهمية برامج الصحة العامة والخطط الوقائية والتي تقلل بلا شك التكاليف الباهظة لخدمات طب الأسنان والتي ستساعد في حال تبنيها على تحقيق التوجهات التي تسعى نحوها وزارة الصحة في التحول من تقديم الخدمة إلى المتابعة والإشراف، وأن يكون كل ذلك قبل تخصيص الخدمات العلاجية.