خالد آل تركي



المازوخية كمفهوم قد شاع بعد استخدامه في مجال الطب والعلاج النفسي، وأول من استخدم تلك المفردة هو الروائي النمساوي ليوبولد مازوخ، حيث استخدمها في إحدى رواياته، لذلك سُميت نسبةً له.

وتأخذ المازوخية عدة أشكال، وفي هذه السطور سوف أتحدث عما يتعلق بالمازوخية الاجتماعية السياسية! لأن المازوخية ليست فقط ظاهرة أو مرضا أو انحرافا يصيب الأفراد فقط، وإنما قد يُصاب بها مجتمع من المجتمعات أو طائفة من الطوائف الدينية، ولا أجدني مُضطرَّاً لتعريف أو توضيح معنى المازوخية الاجتماعية السياسية، حيث من خلال الأمثلة التي سأذكرها سيكون معناها واضحاً وجليا.

الجميع يعلم مدى الرفاهية والاستقرار اللتين يتمتَّع بهما إخواننا الشيعة في السعودية وجميع دول الخليج، بل وحتَّى في العراق في زمن صدَّام حسين، ورغم كل ذلك تجد بعضهم يعشقون إيران ويُبغضون أوطانهم وأبناء أوطانهم من الطوائف الأخرى!  يعشقون إيران التي تعتبر الملحد الإيراني أشرف وأعز شأناً من الشيعي العربي المتديِّن!

هنا يتجسَّد المعنى الحقيقي للمازوخية الاجتماعية السياسية، لن أُحبك حتَّى تُذلني وتُلغي كرامتي وتسلب قيمتي كإنسان! لن أنتمي لأي وطن حتَّى يتفنَّن ذلك الوطن وقادته في إذلالي! هذا هو منطق البعض من الشيعة العرب للأسف.

شاهدنا جميعاً كيف استقبلت السعودية رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حيث كان استقبالاً في غاية الاحترام والتقدير، ثم شاهدنا بعد ذلك كيف تم استقباله في إيران، حيث لم يكن العلم العراقي حاضراً!

ورغم كل الدعم المعنوي والمادي الذي تقدِّمه السعودية للعراق، لم تجد السعودية منهم إلا الحقد والعداء والكراهية!

ورغم كل ما تقدِّمه إيران للعراق من تدمير وإرهاب ودعم للميليشيات ونشر للمخدرات في أوساط الشعب العراقي، إلا أن شيعة العراق يرفعون العلم الإيراني في الميادين العامة، بل وفوق منازلهم!

وممَّا يُثير العجب لدي ولدى كل مُطَّلِع على الشأن العراقي، أن جميع أتباع الأديان والمذاهب في العراق سِوى الكثير من الشيعة، يعشقون بلدهم عشقاً لا حدَّ له، حيث تجد أن المسلمين السنة والمسيحيين والصابئة والإيزيديين بل وحتَّى يهود العراق الذين في إسرائيل، يتمنَّون ويُفضِّلون الموت في العراق ولا حياة في غير العراق! وقد استخدمت كلمة (بعض) و(الكثير) لكي لا أُعمِّم على جميع الشيعة، فبالطبع هناك منهم من يموت دون وطنه، وانتماؤه الأول يكون لوطنه، ولكنهم للأسف قِلَّة.

أمَّا جماعة الإخوان، فإنني سأُعمِّم وبكل راحة واطمئنان، حيث من الأبجديات والمبادئ التي يتم ترسيخها لدى أتباع هذه الجماعة الإرهابية، أن الوطن مجرد حفنة من تراب! متناسين قول الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه قومه من مكة: (ولولا أن أهلكِ أخرجوني منكِ ما خرجت)، وهو درسٌ منه عليه السلام لأمته في أن حُب الوطن لا يتعارض مع الإيمان، لا توجد جماعة شوَّهت صورة الإسلام والمسلمين كجماعة الإخوان، وخصوصاً مبدأ (الحاكمية) الذي ابتدعوه وجعلوه ركناً من أركان الدين! ولو كان هذا المفهوم المُبتدع من الأبجديات التي بُني عليها الإسلام وسار عليها الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح لما شاهدنا الإسلام قد انتشر حول العالم وتقبَّلته النفوس وهي راضية ومطمئنة وبلا أي إكراه، ولما بنى حضارة كانت تحكم العالم في يوم من الأيام!

إن منهج الإخوان حوَّل الإسلام من منهج ديني يسمو بالإنسان روحياً ويُهذِّب أخلاقه إلى منهج سياسي شيطاني يسلب من الإنسان روحانيته ومن المجتمع استقراره.

تلك هي المازوخية الاجتماعية السياسية عند أتباع جماعة الإخوان، وهذا النوع من المازوخية لن تجد علاجه في العيادة النفسية، إنما علاجها يكون بأن تراجع نفسك أيها الشيعي العاشق لإيران والإخواني المنحرف فكرياً، وأن تقارن بنفسك وتزن الأمور بالميزان العقلي وأن تُنحِي العواطف جانباً وتكون موضوعياً.

ولابد من الإشارة إلى أن المسؤولية العظمى تقع على الإعلام العربي بمختلف أنواعه من خلال التوعية والتحذير من خطر الأحزاب السياسية المختلفة التي تشق صف الوحدة الوطنية، وتكريس حب الوطن في نفوس الشعوب العربية، والإعلاء من قيمة الإنسان، وترسيخ مبدأ (الدين لله والوطن للجميع).