(وقوعك في الخطأ لا يعني أبدا أنك لن تهتدي إلى الصواب). وفق تلك القناعة وجدت السجون، منذ أقدم العصور، جعلت أماكن لإصلاح المخطئين وتهذيب سلوكهم، ولم تكن أبدا مجرد أماكن للعقوبة. وقد اعتمدت الدول- انطلاقا من هذه القناعة- كثيرا من البرامج الإصلاحية لنزلاء السجون، طمعا في تحولهم عن السلوك الإجرامي، وتحويلهم إلى مواطنين صالحين.

وإيمانا من المملكة العربية السعودية بفكرة الإصلاح وتقويم السلوك فقد جعلت من مراكز رعاية الفتيات ومراكز المناصحة مساحات أخرى للتقويم والتهذيب، افتتحت ليحصل المخطئون والمخطئات على فرص أكبر من تلك التي ينالها السجناء في السجون العامة، وفق آليات تنظيمية خاصة.

وقد وقفتُ بالفعل- في زيارة سابقة لمراكز المناصحة- على الإمكانات التي سخرتها الدولة، ممثلة في وزارة الداخلية، لأبنائها الذين وقعوا في حبائل الشيطان، ممن تبنوا الفكر الإرهابي. فقد سخرت الدولة كل الإمكانات العلمية والعملية والفكرية والمالية والسلوكية التي تجعل من هؤلاء المخطئين أفرادا صالحين، بصرف النظر على الجرم الذي وقعوا فيه.

وطوال الزيارة كان الضباط في المركز يرددون عبارة (هؤلاء أبناؤنا)، مما يؤكد حرص القيادات العليا على تبني تلك الفكرة التي تجعل المخطئ، مهما عظم خطؤه، ابنا يستحق الرعاية والاهتمام. وحتى بعد خروجه من السجن

فإن المركز يظل يمد إليه يد العون، من خلال مساعدته بالدعم المالي لافتتاح مشروع خاص يكفيه الحاجة إلى الآخرين، في ظل القناعات المغلوطة عن السجناء السابقين في المجتمع.

في مقابل تلك العناية التي ينالها الملتحقون بمراكز المناصحة من المخطئين، تأتي دور رعاية الفتيات المخطئات، التي ما تزال نزيلاتها يعانين الأمرين، إلى الحد الذي يدعو بعضهن إلى الانتحار. وقد أقرت بعض الدور بأن محاولات انتحار النزيلات باتت ظاهرة ملحوظة. مما يعني أن هؤلاء النزيلات بحاجة ماسة إلى أن يعاملن بالكيفية التي يعامل بها نزلاء مراكز المناصحة، وألا تتحول دور الرعاية إلى سجون، غايتها إمضاء مدة العقوبة، خاصة أن المدة فيها تظل مجهولة في ظل امتناع بعض الأسر عن استلام بناتها بعد وقوعهن في الخطأ.

بعض من أدخلوا مراكز المناصحة من الشباب كانوا قد وقعوا في أعظم مما وقعت فيه فتيات دور الرعاية، إذ منهم من خطط للقتل، ومنهم من تبرع بنقل الأسلحة أو التآمر ضد الوطن، لكن الدولة- أيدها الله- تتجاوز عن هذا كله؛ إيمانا منها بأن المخطئ، حين يجد البيئة المحفزة، سوف يندم على سلوكه ويعود إلى رشده، ويغدو مواطنا صالحا.

مثل تلك القناعة يجب أن تزرع لدى القائمين على دور رعاية الفتيات، التي تقوم عليها وزارة الشؤون الاجتماعية، ويمكن أن تستعين الوزارة في ذلك بخبرة وزارة الداخلية، وأن تستعير برامجها وآلياتها التنفيذية، لتحقق الهدف المنشود من وجود تلك الدور. فحين تنال النزيلات في الدور، وخطؤهن خاص على كل الأحوال، ما يناله نزلاء مراكز المناصحة، أصحاب الخطأ العام، فإن سلوكهن سوف يستقيم إلى الحد الذي يجعل الانتحار فكرة مرفوضة لا حلا مفروضا.