السياحة في المملكة العربية السعودية بوصفها صناعة من القطاعات الناشئة تلاقي اهتماما من نوع مختلف كأحد أهم العناصر الأساسية في رؤية المملكة 2030، وبرنامج التحول الوطني الذي جعل الأهداف الاستراتيجية لقطاع السياحة إنشاء وتطوير وجهات سياحية ومدن ترفيهية متكاملة لجميع فئات الأسرة، وتنمية وتأهيل المواقع التراثية، وزيادة وتطوير الفعاليات السياحية، وزيادة وتطوير مرافق السياحة، وتشجيع القطاع الخاص بالاستثمار فيها وتشغيلها، حيث يستهدف البرنامج حتى 2030 (خمسة) وجهات سياحية قائمة أو جديدة، في حين أن المعيار الإقليمي هو (20) والمعيار العالمي (75)، لأن صناعة السياحة ستكون أحد أبرز البدائل لاقتصادات ما بعد النفط..

يتضح لنا هذا الاهتمام من خلال الإعلان عن انطلاق مشاريع سياحية عالمية متنوعة في المملكة؛ مشروع القدية الترفيهي في منطقة القدية جنوب الرياض، ويهدف المشروع إلى إنشاء أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية من نوعها على مستوى العالم، الآخر مشروع البحر الأحمر الذي يقام على إحدى أكثر المواقع الطبيعية جمالاً وتنوعاً في العالم، بالتعاون مع أهم وأكبر الشركات العالمية متابعة للموضوع في مختلف قطاعات المشروع.

الجميل في الموضوع هو الاهتمام بهدف الرؤية في وجود قطاعات اقتصادية مهمة تمثل مصادر دخل جديدة وكبيرة ولكنها مهملة غير مستغلة بما فيه الكفاية، ومن أهم هذه القطاعات، القطاع السياحي، الذي عانى الكثير من الإهمال في السنوات أو العقود -بمعنى أصح- الماضية، وأغفلت معها السياحة البيئية والمناخية التي تشكل عنصراً مهماً من عناصر الجذب السياحي بعد العنصر الأول (الديني) في المملكة.

في جنوب المملكة تجد مدنا وأماكن مختلفة تكتمل بها عناصر البيئة المناخية الجاذبة إلا أنها تفتقر لأبسط عوامل الجذب الخدمي، مع أن تطوير قطاع السياحة والترفيه والارتقاء بجودة الحياة في المدن السعودية يعد من نقاط الارتباط بأهداف الرؤية 2030، وكما كانت إجابة أستاذتي الأجنبية في المعهد بعد أن سألتنا ما الذي ترونه في أبها جميلا: weather, weather, only weather. تقارنها بمدينة جدة ومدن أخرى في المملكة زارتها وتفتقر إلى الجو الجميل ثم ماذا بعد؟

السؤال هنا؛ كيف استغلت هيئة السياحة إمكانيات المناخ الطبيعي والبيئي في جنوب المملكة في غمار تطبيق أهداف رؤية التحول الوطني؟

من يرى ما يحويه الجنوب من مشاهد طبيعية مناخية خلابة في مختلف مناطقه؛ جبال فيفا، مرتفعات السودة، جزر فرسان، غابة رغدان، شفا الحران، أبها، محافظات الحجاز الساحلي؛ تنومة، النماص، بالإضافة إلى سد الملك فهد في وادي بيشة ومزروعاته، وغيرها مما فاتني الإشارة إليه، يستغرب تجاهل استغلال هذه الإمكانيات الجاذبة لمختلف سياح المملكة من الداخل أو الخارج.

كنت قد التقيت قبل عدة أسابيع بسائحات خليجيات، وتناقشنا عن زيارتهن الأولى وماذا أعجبهن هنا؟ وما الذي ساءهم؟ وأبدين لي تذمرهن الشديد من الخدمات المتوفرة على اختلاف أشكالها، وصدمتهن بما عايشنه من جمال الطقس والمناظر الطبيعية، وجمال أخلاق سكانها، إلا أنهن لم يتوقعنها بهذا الشكل.

لم يسبق أن أنُشئ في الجنوب مشروع أو برنامج سياحي أو حتى خطة استراتيجية لمشروع سياحي وطني وليس محليا فقط ونجحت جميعها، وإنما هي مجرد مشاريع صغيرة، ترتبط بأشخاص وبمجرد تركهم للعمل أو حدوث أي طارئ يتوقف المشروع ويفشل لأنه مشروع فرد وليس مشروع دولة.

الآن، الجنوب بجميع مواقعه ومناطقه الجاذبة المتنوعة ينتظر من هيئة السياحة تخطيطا وتفعيلاً لاستغلال إمكانياته المناخية تشكيل لجنة من خبراء ومختصين محليين وعالميين لدراسة الأوضاع فيه، ومن ثم استغلالها بالإعلان عن مشروع سياحي متكامل يعد الأضخم في تاريخ المنطقة، وإيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء، وتعزيز ثقتهم باقتصادنا كما نص عليه برنامج التحول الوطني.